إندونيسيا تعزّز دبلوماسية السلاح: اختراقات غربية على أبواب بحر الصين

12 فبراير 2022
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي وقّعت العقد في جاكرتا (أديك بيري/فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت إندونيسيا، أول من أمس الخميس، الزبون الأول للصناعة العسكرية الفرنسية، في منطقة جنوب شرقي آسيا، بتوقيع جاكرتا وباريس، عقداً بقيمة 8.1 مليارات يورو، لشراء 42 مقاتلة "رافال". وسرعان ما أتبع ذلك، بإعلان وزارة الخارجية الأميركية موافقة إدارة الرئيس جو بايدن، على بيع إندونيسيا 36 مقاتلة من طراز "أف 15"، مقابل 14 مليار دولار. 

ويشكل العقد مع جاكرتا الذي أعلنت عنه باريس، اختراقاً تاريخياً للصناعة الفرنسية في المنطقة، ليس لأنه الأول، ولكن نظراً لقيمته، ومدلولاته الجيوستراتجية، مع ارتفاع منسوب العسكرة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والمصالح الحيوية لباريس هناك، بما فيها إشباع نهم شركاتها المصنعة للسلاح.

وفيما تحاول فرنسا تعويض خسارة اتفاق الغواصات الضائع بين شركة "نافال" الفرنسية المملوكة للدولة، وأستراليا، والذي استبدلته كانبيرا بـ"شراكة قرن" نووية مع واشنطن ولندن، لا يبدو الاتفاق الجديد بين شركة "داسو" المصنعة لـ"رافال"، وجاكرتا، انتصاراً فرنسياً فحسب.

ويشير الاتفاق إلى مواصلة إندونيسيا تحديث ترسانتها العسكرية، وهي سياسة طويلة الأمد للدولة، باتت في صلب "دبلوماسيتها العسكرية"، منذ رفع حظر استيرادها السلاح، الذي فرضته عليها الولايات المتحدة في عام 1999. وبعد عقود من "عدم الانحياز"، يشتد التنافس الصيني - الأميركي لتعزيز النفوذ في هذا البلد، الذي يذهب من جهته بعيداً جداً في تنويع مصادر تسلحه.

تحاول فرنسا تعويض اتفاق الغواصات الضائع بين شركة "نافال" وأستراليا

وتملك إندونيسيا كل المواصفات لتثير شهية الدول الكبرى، لطلب ودّها، والفوز بعقودها التسليحية الضخمة. وتعد إندونيسيا رابع أكبر دولة في العالم، والثالثة في آسيا من حيث الكثافة السكانية، والأكبر في اقتصادات جنوب شرقي آسيا، بالإضافة إلى موقعها القيادي على مضيق ملقا الحيوي. وباتت دبلوماسية التسلح التي تعتمدها إندونيسيا تحمل أبعاداً أكثر إلحاحاً، مع ارتفاع منسوب التوتر في المنطقة، وفي ظلّ ما تراه الدول المعنية بنزاع بحر الصين الجنوبي، وإندونيسيا واحدة منها، من نزع بكين لقفّازاتها، والكشف تباعاً عن سياستها "العدوانية" في المنطقة. 

فرنسا وإندونيسيا: صفقة تاريخية لـ"رافال"

وفي هذا الإطار، أبرمت إندونيسيا أول من أمس، مع فرنسا، عقداً لشراء 42 مقاتلة "رافال". وبحسب العقد الفرنسي، ستزود "داسو" سلاح الجو الإندونيسي، بأولى الطائرات بعد حوالى 3 سنوات، على أن تسلم باقي الطائرات بعد ذلك بوتيرة طائرة واحدة في الشهر.

وتشمل قيمة العقد كل ما تحتاجه المقاتلات من أسلحة وتدريب. وهذه هي المرة الأولى التي يشتري فيها هذا البلد طائرات مقاتلة فرنسية، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للترحيب بـ"حلول مرحلة جديدة تعزز شراكاتنا" في المنطقة.

كما رحّب رئيس "داسو" إريك ترابييه، بالطلبية، مضيفاً أن "هذا بلد جديد لشركتنا ما يجعل من هذا العقد تاريخياً". والتزم البلدان، أيضاً الخميس، بالتعاون في نطاق البحث والتطوير في مجال الغواصات، مع توقيع عقد بين "نافال غروب" وشركة بناء السفن الإندونيسية "بي تي بال"، يتوقع أن يفضي إلى شراء غواصتين من طراز "سكوربين".

وكانت فرنسا قد باشرت "شراكة معزّزة" مع إندونيسيا، العام الماضي، بعد الضربة التي تلقتها من أستراليا، التي وقعت مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ما يشبه حلف "ناتو" مصغرا في منطقة الهادئ – الهندي.

وتدرك فرنسا جيداً، ضرورة تحول اهتمامها إلى الهادئ - الهندي، على اعتبار التحديات التجارية والسياسية والاقتصادية المتنامية في هذه المنطقة الحيوية، والتي لفرنسا فيها مقاطعات وأقاليم "ما وراء البحار".

وتأتي الصفقة، مناسبة لماكرون، للترويج لإنجازاته مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقاد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، العام الماضي، دبلوماسية مكثفة تتعلق بالمنطقة، حملته إلى جاكرتا في نوفمبر/تشرين الثاني، مع الإعلان أيضاً عن تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع الهند، وإجراء مباحثات أمنية يابانية – فرنسية في يناير/كانون الثاني الماضي.

إدارة بايدن تواصل التقارب مع جاكرتا

توازياً، أعلنت واشنطن الخميس، موافقة إدارة الرئيس جو بايدن على بيع إندونيسيا 36 مقاتلة من طراز "أف 15" مقابل 14 مليار دولار، مشيرة إلى أن حيازة أندونيسيا هذه المقاتلات "ستعزز أمن شريك إقليمي مهم يمثّل قوة استقرار سياسي وتقدم اقتصادي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، من ذكر الصين.

ولفت بيان للخارجية الأميركية، إلى أن "مساعدة إندونيسيا على تطوير قدرة قوية للدفاع عن نفسها والحفاظ على هذه القدرة هو أمر حيوي للمصالح القومية للولايات المتحدة".

تذهب إندونيسيا بعيداً في تنويع مصادر تسلحها، فيما يشتد التنافس الصيني - الأميركي لتعزيز النفوذ في هذا البلد

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد زار جاكرتا، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في أول جولة له في المنطقة، منذ تولي بايدن الرئاسة في يناير 2021. ونقل بلينكن خلال الزيارة، اهتمام واشنطن بتعزيز الشراكة مع إندونيسيا، لاسيما لتطوير البنية التحتية في هذا البلد.

وجاءت الزيارة والاهتمام الأميركي المتزايد بإندونيسيا، بعد أعوام من تراجع العلاقات الأميركية في المنطقة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان انسحب خصوصاً من اتفاق الشراكة الاستراتيجية عبر الهادئ، في 2017، ما حدّ من التقدم السياسي والاقتصادي لأميركا في هذه المنطقة التي تشهد نمواً متسارعاً. وكان لافتاً اختيار بلينكن لجاكرتا، ليلقي خطاباً حول استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة الهادئ – الهندي، وضرورة الحفاظ على أمن التجارة والملاحة الدولية الحرّة.

في المقابل، لا تزال الصين، تعدّ الشريك الاقتصادي الأول لإندونيسيا، من دون أن يمنع ذلك تصاعد التوتر بينهما على خلفية الصراع في بحر الصين الجنوبي، ومزاعم الصين المتصاعدة حول أحقيتها في مياه أرخبيل جزر "ناتونا"، الغنية بمصايد السمك ومصايد النفط والغاز المحتملة. وشارف النزاع بينهما أكثر مرة أخيراً، على الانزلاق إلى تصعيد خطير.

أبعاد الدبلوماسية العسكرية

ووسط هذا الصراع، تسعى إندونيسيا إلى تكثيف "دبلوماسيتها العسكرية"، عبر التوجه أيضاً إلى اليابان، وكوريا الجنوبية، ودول غربية أخرى، مثل النمسا وإيطاليا، لتحديث ترسانتها العسكرية. ويرى متابعون في ذلك، ما يصفونه بالمقاربة "الانتهازية" لشراء السلاح التي تعتمدها جاكرتا، لا سيما بعد توقيعها مع طوكيو في مارس/آذار 2021، أول اتفاق دفاعي، يمهد لحصول إندونيسيا على 8 فرقاطات من طراز "موغامي"، ما اعتبر رداً على التكتيكات العدوانية للصين. وطلبت إندونيسيا أيضاً من اليابان، زيادة استثماراتها في مياة "ناتونا".

وتحمل سياسة تجديد الأسطول الحربي لإندونيسيا، بعداً داخلياً أيضاً، يرى متابعون أنه مرتبط بسياسة وزير الدفاع الحالي، برابوو سوبيانتو، الطامح للترشح للرئاسة في 2024، والذي يكثف دبلوماسيته العسكرية مع الدول الحليفة والصديقة والكبرى حول العالم.
يذكر أن هذا البلد يملك أسطولاً جوياً عسكرياً متقادماً، يتألف بصورة رئيسية من طائرات "أف 16" أميركية وطائرات سوخوي روسية "سو 27" و"سو 30". ووقعت جاكرتا في عام 2018 عقداً لشراء 11 مقاتلة سوخوي من طراز "سو 35"، غير أنه لم ينفذ بسبب قانون "كاتسا" الأميركي الذي ينص على عقوبات تلقائية على أي بلد يعقد "صفقة كبيرة" مع قطاع الأسلحة الروسي.

وتقوم سياسة تنويع مصادر التسلح، على أهمية عدم الاعتماد على دولة واحدة للحصول على أسلحة، فيما رسمت السلطات الحاكمة إستراتيجية طويلة الأمد للتسلح، تمتد إلى 2044.

(العربي الجديد)

تقارير دولية
التحديثات الحية

 

المساهمون