إقالة نائب شويغو... مجرد بداية لصراعات القوى الروسية؟

30 ابريل 2024
شويغو، ديسمبر 2023 (Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إقالة واعتقال نائب وزير الدفاع الروسي تيمور إيفانوف أثار ضجة في روسيا، مع توجيه تهم الفساد والكسب غير المشروع له، وتكهنات حول الخيانة كسبب حقيقي وراء الاعتقال.
- الحدث يعكس الصراعات الداخلية بين القوى الروسية ويشير إلى استخدام إيفانوف كـ"كبش فداء"، مما يبرز حالة من الارتياح بين المراسلين العسكريين ودعم الروح المعنوية للمقاتلين.
- اعتقال إيفانوف يشير إلى محاولات لإعادة التوازنات داخل "سيلوفيكي" وتقليص نفوذ مجموعة شويغو، مع استبعاد تخلي بوتين عن شويغو نهائيًا، ويبقى الصراع بين القوى الروسية مفتوحًا على احتمالات عديدة.

أثار توقيت الإقالة المفاجئة لنائب وزير الدفاع الروسي تيمور إيفانوف والتهم الموجهة له، في 23 إبريل/نيسان الحالي، ضجة كبيرة في روسيا، وتكهنات حول الأسباب الحقيقية لاعتقال أرفع مسؤول عسكري، بعد نحو 26 شهراً من بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبل إعادة تنصيب فلاديمير بوتين لولاية خامسة في 7 مايو/أيار المقبل، وما إذا كان هذا الأمر سيفتح صراعاً بين القوى الروسية.

وبعد ساعات من اعتقال إيفانوف برزت فرضيات تتحدث عن أن الفساد والكسب غير المشروع مجرد غطاء للسبب الحقيقي، وهو الخيانة، وعن رغبة الكرملين في التدرج بالتهم الموجهة لنائب الوزير المعروف بحياة البذخ، وصولاً إلى اتهامه بالخيانة أثناء عملية المحاكمة.

يمثل اعتقال إيفانوف ضربة قوية لشويغو لأنه لم يستطع حماية واحد من نوابه المقربين

وفي حين سارعت مواقع المعارضة إلى تداول أنباء عن أن الخيانة هي السبب الحقيقي للاعتقال، من دون تقديم أدلة واضحة على ذلك، رأى محللون أن إيفانوف مجرد "كبش فداء" في صراع القوى الروسية لإعادة التوازنات داخل "سيلوفيكي" (الأمن والجيش والاستخبارات)، بعد الاختلال الكبير لمصلحة الجيش بسبب الحرب في أوكرانيا وتكريس كل موارد الدولة للمعركة، والإخفاق الكبير للاستخبارات والأجهزة الأمنية المتمثل في منع الاعتداء في "كروكوس سيتي هول" في موسكو في مارس/آذار الماضي، رغم ورود تحذيرات من الجانب الأميركي بشأنه.

ومع بروز حالة من الارتياح في مواقع المراسلين العسكريين الروس و"قنوات زد" (مصطلح يطلق على قنوات تليغرام الداعمة للحرب في أوكرانيا)، لم يستبعد معارضون أن يكون الهدف من الخطوة رفع الروح المعنوية للمقاتلين وحضّهم على القتال، مع الأنباء عن هجوم روسي واسع، قد يشمل الجبهات الأساسية في دونيتسك وزابوريجيا، بالإضافة إلى خاركيف.

اعتقال إيفانوف ضربة لشويغو

وأياً كانت الأسباب الحقيقية للإقالة والمحاكمة، فإن اعتقال إيفانوف يمثل ضربة قوية لوزير الدفاع الحالي سيرغي شويغو، لأنه لم يستطع حماية واحد من نوابه المقربين، والذي عمل معه منذ 2012 كنائب لرئيس حكومة محافظة موسكو (ضواحي موسكو وأريافها) حين كان شويغو محافظاً لها. وما إن انتقل شويغو إلى وزارة الدفاع حتى نقل إيفانوف إلى منصب قريب وحساس، حيث تولى من 2013 حتى 2016 منصب المدير العام لشركة "أوبورونستروي" المسؤولة عن البناء والإنشاءات لصالح وزارة الدفاع، قبل أن ينتقل في مايو 2016 إلى منصب نائب الوزير، ويتولى مسؤولية إدارة الممتلكات والإسكان والبناء والرهون العقارية في وزارة الدفاع الروسية.

بعد ساعات من اعتقال إيفانوف، ذكر موقع "فاجنيي إستوريه" (القصص المهمة) الاستقصائي المعارض نقلاً عن مصدرين قريبين من هيئة الأمن الفيدرالي أن السبب الحقيقي لاعتقال نائب وزير الدفاع ليس الرشوة والكسب غير المشروع. وحسب المصدر، فإنه "في الكرملين لا يريدون التحدث عن الخيانة علناً، نظراً لأن المتهم هو نائب وزير الدفاع منذ 2016، ما قد يتسبب في فضيحة كبرى". وفي الوقت ذاته، ذكر موقع "فوربس" الروسي أن إلقاء القبض على إيفانوف جزء من عملية "تطهير رجال شويغو" قبل رحيل محتمل لوزير الدفاع بعد 7 مايو المقبل.

وحسب بيانات الدخل في 2019، تصدّر إيفانوف تصنيف أغنى مسؤولي الأمن والدفاع في روسيا، وفقاً لمجلة فوربس، بدخل سنوي قدره 136.7 مليون روبل (2.15 مليون دولار). ووفقاً لتحقيقات "صندوق مكافحة الفساد" في 2023، الذي أسسه المعارض الراحل أليكسي نافالني، فإن إيفانوف وزوجته السابقة سفيتلانا مانيوفيتش يملكان عقارات وتحفا ومجوهرات وسيارات تقدّر قيمتها بملايين اليورو في أوروبا.

يستبعد أن يتخلى بوتين نهائياً عن شويغو خاصة في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا

ومن المنطقي أن يفتح اعتقال إيفانوف المعروف بحياة البذخ وفق بياناته الضريبية، ومقاطع فيديو وصور لحفلات بحضور مسؤولين كبار ضمنهم الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، وصور لرحلاته الخارجية في أوروبا وسياراته الفارهة، تساؤلات عن توقيت الاعتقال وتوجيه التهم له.
واللافت أن الاعتقال تزامن مع تقدم بطيء للقوات الروسية في دونيتسك، حيث أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "ثمنه باهظ في الأرواح والمعدات، ويصل أحياناً إلى خسارة أكثر من 90 في المائة من الفصيل المقاتل مقابل التقدم نحو 70 إلى 100 متر".

كبش فداء

ومع تركيز مواقع "زد تليغرام" على أن اعتقال إيفانوف جاء على خلفية "الخداع في قضايا الإسكان وتسليم الشقق للعسكريين وعقود باطنية مع منفذين مرتبطين بنائب الوزير"، فإنه من غير المستبعد أن يكون إيفانوف "كبش فداء" أو شماعة لتعليق الفساد المستشري في وزارة الدفاع، والتبشير بحقبة جديدة لتخفيف الاستياء في صفوف المقاتلين ورفع روحهم المعنوية، لخوض معارك تسفر عن تقدم روسي قبل وصول شحنات المساعدات العسكرية الأميركية بشكل خاص تنفيذاً لمرسوم الرئيس جو بايدن، بعد توافق المشرّعين الأميركيين على حزمة المساعدات بعد أشهر من التعطيل.

ورغم أن التهمة هي الفساد، فقد كان لافتاً أن وسائل الإعلام الروسية لم تركز كما جرت العادة على بث مقاطع فيديو لممتلكات إيفانوف أو إحصاء ممتلكاته وثروته، مثلما حصل بعد تمرد زعيم مجموعة "فاغنر" يفعيني بريغوجين صيف العام الماضي، حيث عرضت القنوات الفيدرالية تقارير عن قصوره الفارهة والعملات الأجنبية المكدسة، وقاعات السهر واللهو، ومهبط الطائرات وغيرها.

وكان تمرد بريغوجين شكّل، وقتها، أكبر خطر على شويغو. فبعد انتقادات علنية متواصلة للفساد في الجيش، وحديث عن الجنرالات المرفهين الذين لا يؤمّنون الأسلحة الكافية والأغذية والملابس للجنود على الجبهات، استطاع بريغوجين، بعدة مئات من المرتزقة، التقدم إلى مشارف العاصمة الروسية موسكو في غضون عدة ساعات، وسيطر على مقر العمليات المشرفة على العمليات الحربية في أوكرانيا في مدينة روستوف، في مشاهد حطمت صورة الجيش المنتصر، ومنحت منافسي شويغو ضمن الأجهزة الأمنية، مثل رئيس الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف، الفرصة للظهور بقوة. واستطاع شويغو المحافظة على منصبه بعد التمرد الذي هز أركان الكرملين، بفضل موقف بوتين الذي قرر، على ما يبدو، عدم إقالته والانحياز للجيش كمؤسسة خوفاً من انهيار معنويات الجنود.

وربما يعود سبب عدم بث مقاطع فيديو لممتلكات إيفانوف لعدم الرغبة في إظهار حياة البذخ للجنرالات الروس مقابل مساكن الجنود المتداعية. وفي هذه الحالة، فإن الاعتقال، وتقديم إيفانوف للمحاكمة بزيه العسكري، مشاهد كافية للتأكيد على أن مصير الفاسدين هو الاعتقال والمحاكمة، رغم أن العسكريين يحاكمون عادة بملابس مدنية لتجنب تشويه صورة الجيش.

صراع بين القوى الروسية

وحسب الأنباء الرسمية، فإن هيئة الأمن الفيدرالي (كي جي بي في الزمن السوفييتي) هي من ألقت القبض على إيفانوف، فيما أشار موقع "فاجنيي إستوريه" إلى أن الهيئة كانت تراقبه منذ أكثر من خمس سنوات، وأن شويغو تدخّل في 2019 لوقف مراقبة نائبه، وأنّب مسؤولاً كبيراً في الأمن الفيدرالي. وتمثل طريقة اعتقال إيفانوف وتقديمه للمحاكمة، وعدم قدرة شويغو على منع الفضيحة وإنقاذ نائبه، ضربة قوية للوزير قبل نحو أسبوعين من إعادة تشكيل الحكومة. فحسب الدستور الروسي، يجب على الرئيس بعد تنصيبه إعادة تشكيل الحكومة أو تجديد الثقة فيها في غضون أسبوعين.

وتذهب تقديرات إلى أن أجهزة الأمن والاستخبارات والحرس الوطني الروس قد تكون أقدمت على تدبير الفضيحة، قبل تنصيب بوتين، من أجل إضعاف تزايد سطوة الجيش، منذ بداية الحرب على أوكرانيا، ضمن مجموعة "سيلوفيكي"، وإعادة التوازنات السابقة بين العسكر والأمن من جهة، وتقاسم الأرباح الطائلة من الموازنات الهائلة لوزارة الدفاع من جهة ثانية.

وتفتح تفاصيل اعتقال  إيفانوف الباب على إضعاف نفوذ مجموعة شويغو ضمن النخبة الأقرب للرئيس الروسي والتي تضم غينادي تيمشينكو رجل الأعمال المقرب من بوتين، ويوري فوروبيوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي، وابنه حاكم منطقة موسكو أندريه، بالإضافة إلى شخصيات أخرى.

لكن في المقابل، يُستبعد أن يتخلى بوتين نهائياً عن شويغو، خاصة في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا، واستشهاده الدائم ببيانات وزارة الدفاع حول التقدم على الجبهات، وامتداحه الجنرالات والجنود. وفي انتظار قرار الرئيس الروسي بشأن الحكومة الجديدة، يبقى أن الصراع بين القوى الروسية قد يتطور في ولاية بوتين الخامسة، والأخيرة على الأرجح، بسبب عامل العمر، مع رغبة النخب التي أجلت صراعاتها بسبب الحرب في الدفع بمرشحها لخلافة بوتين كضمانة لمكاسبها وامتيازاتها.

المساهمون