ينظر للأيام القليلة القادمة على أنها مصيرية في ما يخص الحوار الكردي - الكردي، الذي ستستأنف الجولة الثانية منه برعاية أميركية بعد أيام، وذلك بعد توقف الأطراف عند قضايا عالقة لم يتم الاتفاق عليها، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر لـ"العربي الجديد" أن مسؤولين أميركيين شددوا على مركزية توحيد البيت الداخلي الكردي في استراتجية واشنطن تجاه سورية.
ومع التغيير الحاصل في البيت الأبيض، بات هناك مسؤولون ومبعوثون أميركيون جدد للإشراف على ملف منطقة شرق وشمال سورية الخاضعة لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، وحتى على مسألة الحوار الكردي – الكردي الذي كان من مهمة المبعوثة الأميركية السابقة لشمال وشرق سورية زهرة بيلي، التي تسلمت منصباً أرفع يتعلق بالملف السوري داخل البيت الأبيض.
واعتمدت إدارة بايدن ديفيد براونستين ممثلاً لوزارة الخارجية في شمال وشرق سورية، إلى جانب مساعدته إيميلي برندت. وزار براونستين مناطق "الإدارة الذاتية" بعد أيام من فوز بايدن، والتقى بقائد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي في الحسكة، وسيكمل مع مساعدته الجهود التي قامت بها بيلي، علماً أن برندت كانت مساعدة للأخيرة خلال مهمتها السابقة في سورية.
وتعد الاجتماعات المتوقعة لاستئناف الحوار الكردي – الكردي بين كل من "المجلس الوطني الكردي" و"أحزاب الوحدة الوطنية" التي يقودها "حزب الاتحاد الديمقراطي" استكمالاً لأعمال الجولة الثانية من الحوار، التي توقفت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
واصطدمت تلك الجولة بعقبات عدة، أبرزها إصرار "المجلس الوطني الكردي" على عودة قوات البشمركة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات، وفكّ ارتباط "الاتحاد الديمقراطي" بـ"حزب العمال الكردستاني"، وإلغاء التجنيد الإجباري، بالإضافة إلى حسم مصير المعتقلين والمختطفين.
وتعد البشمركة السورية، المتمركزة في شمال العراق، بمثابة ذراع عسكرية لـ"المجلس الوطني الكردي"، الذي يريد دخولها إلى الشمال الشرقي من سورية، والمشاركة في القرارين العسكري والأمني، في ظل هيمنة "الإدارة الذاتية" بقيادة كل من "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"قسد" على حكم المنطقة الشرقية، الغنية بالثروات الزراعية والنفطية.
وبخصوص هذه التطورات، أكدت المتحدثة باسم "الاتحاد الديمقراطي" سما بكداش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تحديد موعد الجولة القادمة في هذا الشهر جاء بعد تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مهامها، وبعد تعيين مسؤولين أميركيين جدد مبعوثين إلى شمال وشرق سورية.
وأوضحت بكداش أن "الوفد الأميركي وصل إلى الحسكة قبل أيام وعقد اجتماعات مع كل طرف من طرفي الحوار على حدة، تمهيداً لبدء المفوضات بشكل مباشر"، مضيفة أن "الحديث تركز حول التوفيق بين طرفي الحوار للخروج بنتائج لاتفاق بينهما، الذي يعد هدفا استراتيجيا للولايات المتحدة بحسب ما أبلغنا المبعوث الجديد".
وينتظر أن تتناول المرحلة الثانية من الحوار التي ستستأنف بعد أيام "المرجعية الكردية"، أي كيفية التوصل إلى مرجعية سياسية واحدة تمثل الأكراد السوريين في استحقاقات الحلّ السياسي، وبعض القضايا العسكرية والأمنية. ولفتت بكداش إلى أن "الحوار سيستأنف من النقطة التي توقف عندها، ببحث آلية مشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية، وبعد الانتهاء من نقاش هذه النقطة، سيتم اللجوء لبحث المسائل العسكرية والأمنية بحضور من قيادة (قسد)، والاستناد إلى اتفاقية دهوك في المسائل التي ستتم مناقشتها عسكرياً وسياسياً ومدنياً".
وأكدت بكداش،أن الجانب الأميركي الراعي لهذه المباحثات والحوار سيكون الضامن كذلك لتطبيق نتائجه من خلال أي اتفاق سيتم التوصل إليه، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الاتفاقات السابقة لم ترَ النور، كونها تمت بدون ضامن. لكنها استدركت بالإشارة إلى عدم وجود جدول زمني لإنهاء الحوار، ومعربة عن استعداد "أحزاب الوحدة الوطنية" لدوام الجهوزية للانخراط في أي اجتماعات لإتمامه.
وتابعت بكداش أنه رغم الصعوبات والعقبات، إلا أن لديهم "إيماناً بتحقيق الوحدة الوطنية بين المكونات الكردية"، وعلى أساس ذلك فهم يبذلون كل الجهد لإنجازها "بما يخدم وحدة الصف الكردي في المسارات السياسية الرامية لحل الأزمة السورية".
وقالت كذلك "هذه الوحدة ستكون من ضمنها المكونات العربية والسريانية وغيرها من مكونات شرق سورية"، مشددة على أن "الاتفاق النهائي سيخدم التوصل إلى الحل السياسي وفقاً للمرجعيات الأممية والقرار الدولي 2254".
وخلال المباحثات السابقة بين الجانبين، تم الاتفاق على أن تكون اتفاقية دهوك، التي أبرمت بينهما برعاية من قيادة إقليم كردستان العراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أرضية للمفاوضات. ونصت الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل "حركة المجتمع الديمقراطي" (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية - 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و"المجلس الوطني الكردي" 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين. كذلك تمّ الاتفاق على أن يكون عدد أعضاء المرجعية 32 شخصاً ممثلين وفق الآتي: 12 من "حركة المجتمع الديمقراطي"، و12 من "المجلس الوطني"، و8 من القوى السياسية من خارج الإطارين المذكورين.
وتعد مسألة دخول "البشمركة السورية"، التي تضم مقاتلين سوريين كرداً متمركزين في شمال العراق إلى الشمال الشرقي من سورية، من التحديات الكبرى التي تواجه المفاوضات بين الطرفين الكرديين، حيث يرفض "الاتحاد الديمقراطي" دخول هذه القوات إلى سورية كي يبقى متفردا بالقرار في منطقة شرقي نهر الفرات، طارحا اندماج هذه القوات في مليشيا "قسد" من دون شروط، وهو ما يرفضه "المجلس الوطني الكردي" الذي يعتبر "البشمركة السورية" ذراعا عسكرية له.