للمرة الأولى منذ توقّف المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول قضية سد النهضة الإثيوبي، في إبريل/ نيسان 2021، بعد عدة جولات في كينشاسا فشلت في تحقيق أي تقدم لحل الأزمة، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن "حلول وسطى" للأزمة، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الموريتاني محمد ولد الغزواني، الذي زار القاهرة الأحد الماضي.
وقال السيسي، خلال المؤتمر الصحافي في أعقاب جلسة مباحثات مطولة: "شددنا على أهمية حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية، للأخذ بأي من الحلول الوسطى التي طُرحت على طاولة التفاوض، والتي تلبي مصالحها، من دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب، وذلك من أجل إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة".
في غضون ذلك، برز أمس الثلاثاء دعوة مصرية للإدارة الأميركية للضغط على إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة، والتدخّل المباشر على خط الأزمة من أجل التوصل لحل. وأكد وفد الحوار المصري الأميركي الذي زار واشنطن أخيراً خلال لقاءات مع نواب ومسؤولين في الإدارة الأميركية أن قضية سد النهضة تستوجب تدخلاً مباشراً من الدبلوماسية الأميركية على أعلى مستوى. والتقى وفد الحوار المصري الأميركي في واشنطن، بأعضاء الكونغرس، وجرى مناقشة عدد من الملفات منها ملف سد النهضة، بحسب بيان للطائفة الإنجيلية، أمس الثلاثاء.
أي حلول مقترحة لسد النهضة؟
وعن ماهية "الحلول الوسطى" التي تحدث عنها السيسي، قال أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القيادة السياسية المصرية اعتادت في إدارتها لملف سد النهضة على اتّباع سياسة الصبر وضبط النفس والتمسك بالشرعية الدولية"، مضيفاً أنها "اعتادت أيضاً في جميع المحافل الدولية واللقاءات الرئاسية على تأكيد طلب مصر الأساسي لحل قضية سد النهضة، وهو التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة يصب في مصلحة الدول الثلاث، وهذا ما أكد عليه الرئيس السيسي في لقائه مع نظيره الموريتاني".
شراقي: المقصود هو تأكيد فكرة الوصول إلى اتفاق عادل يصب في مصلحة الدول الثلاث
وأضاف شراقي: "الرئيس أشار أيضاً في لقائه إلى ما انتهت إليه القمة العربية الأخيرة في الرياض، بأن الأمن المائي المصري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وطالب إثيوبيا بالتحلي بالإرادة السياسية، للأخذ بأي من الحلول الوسطى، والمقصود هو تأكيد فكرة الوصول إلى اتفاق عادل يصب في مصلحة الدول الثلاث، بناء على المفاوضات التي تمت على مدار أكثر من 10 سنوات".
من جهته، قال الباحث المهتم بقضايا الزراعة والموارد الطبيعية صقر عبد الصادق النور، لـ"العربي الجديد"، إن حديث السيسي "إيجابي ومحاولة لتوسيع أو تعميق التواصل المصري مع القارة الأفريقية، وتنويع أساليب الضغط المصرية خارج إطار الضغط الدولي، لأن موريتانيا لها موقع متميز كدولة أفريقية عربية، وبالتالي في نهاية الخطاب كان يبدو أن السيسي يركز على البُعد العربي والأفريقي، واحترام وتقدير دور المنظمات الأفريقية". وتابع: "أعتقد أن هذا التحول مؤشر إيجابي، وأن الجهود الدبلوماسية المصرية يجب أن تضغط في اتجاه توسيع التحالف الأفريقي".
تقليل حصة مصر المائية؟
أما أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، فقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "حديث السيسي تضمن أمرين في آن واحد، وهما الحل الوسط والاتفاق الملزم، ويجب معرفة العلاقة بين الاثنين، لأنه حتى هذه اللحظة لم يظهر بالإعلام المصري أي تفسير لما يقصده الرئيس بالمصطلح الجديد في الخطاب السياسي بشأن سد النهضة وهو الحل الوسط، بالإضافة إلى عدم معرفة الشعب المصري ماذا يقصد بمصطلح ملزم".
وأوضح حافظ أن "تلك المصطلحات لا بد أن تقيّم رقمياً، فعلى سبيل المثال لا بد من معرفة كم ستكون حصة الدولة المصرية من النيل الأزرق في حال قبول إثيوبيا بالحل الوسط"، وتابع: "وفق اتفاقية 1959، فإن ما تحصل عليه مصر من تدفقات النيل الأزرق سنوياً يعادل في المتوسط 40 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على ما تبقّى من التدفقات أي 8.5 مليارات متر مكعب، وذلك على حساب المتوسط السنوي لتدفقات النيل الأزرق والتي تعادل 48.5 مليار متر مكعب سنوياً". وأشار إلى "رفض إثيوبيا المستمر الاعتراف باتفاقية 1959".
حافظ: من الممكن أن يكون المقصود بالمصطلح الذي استخدمه الرئيس المصري هو حل ترامب عام 2020
وقال حافظ إنه "على الرغم من عدم خروج أي مسؤول مصري بوزارة الري ليشرح للمواطن المصري ماذا يقصد بمصطلح اتفاقية ملزمة، إلا أنه وعبر ما تسرب خلال مؤتمر الدول الثلاث مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فبراير/ شباط 2020 يمكن فك لغز معنى مصطلح ملزم".
وأوضح أنه "وفقاً لما تسرّب من أخبار حينذاك كان المفاوض المصري يصر على الحصول على 40 مليار متر مكعب من تدفقات النيل الأزرق كما هو منصوص عليه في اتفاقية 1959، إلا أن إثيوبيا أصرت على تخفيض هذا الرقم إلى 31 مليار متر مكعب، وهنا بدأ الخلاف حتى مع ترامب الذي مارس ضغوطاً كبيرة على الجانب الإثيوبي للاتفاق على 37 مليار متر مكعب لمصر بدلاً من 40 مليار متر مكعب وطلب تجهيز الاتفاقية للتوقيع"، مشيراً إلى أن "الوفد الإثيوبي ترك البيت الأبيض بدون حتى استئذان ترامب، ورفض التوقيع على الحل الوسط والذي هو 37 مليار متر مكعب، بينما وقّع وزير الري المصري منفرداً على هذا الأمر".
وأضاف أنه "بناء على ذلك، فإنه من الممكن جداً أن يكون المقصود بالمصطلح الجديد الذي استخدمه الرئيس المصري هو حل ترامب عام 2020 ذو الـ37 مليار متر مكعب وموافقة الدولة المصرية على اقتطاع 3 مليارات متر مكعب من حصتها".
وعن الموقف الإثيوبي من أزمة سد النهضة، وتمسكها بعدم تقديم تنازلات تساهم في حل الأزمة، أكد الباحث المصري في مجال البيئة والتنمية، منسق منتدى "الحق في المياه بالمنطقة العربية" عبد المولى إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف الرئيسي من فكرة سدود المياه بشكل عام هي تسليع المياه، لأن معدلات الربح بدأت تنقص بشكل كبير في القطاعات الصناعية الأخرى، على الصعيد الدولي والعالمي، ولذلك لم يعد أمام الشركات الكبرى سوى الاستحواذ على الموارد الطبيعية وإدخالها ضمن الأسواق التبادلية، بمعنى إخضاعها لأسواق العرض والطلب".
وأضاف إسماعيل: "هناك ما يُسمى بكفاءة السد في ما يتعلق بتوليد الطاقة الكهربائية، بمعنى أنه يمكن أن تكون سعة الخزان 11 مليار متر مكعب، وتولد الطاقة الكهربائية المطلوبة نفسها، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتم زيادة السعة التخزينية للسد إلى 74 مليار متر مكعب؟". واعتبر أن "هذا الأمر مرتبط بتسليع المياه وخلق أسواق للتجارة في المياه، وهذا ما سيحدث، ويفسر مماطلة إثيوبيا في إقرار اتفاق قانوني ملزم في هذا الأمر"، متابعاً "أصبحنا أمام أمر واقع، فإثيوبيا لن توقّع على أي اتفاقيات ملزمة إلا بعد إعادة النظر في الحصص المائية ككل، بمعنى تخفيض الحصة المصرية من المياه إلى ما دون 55 مليار متر مكعب".