أوسيتيا الجنوبية... من الانفصال عن جورجيا لمحاولة الانضمام إلى روسيا

31 مارس 2022
شريط شائك يفصل رجلاً في أوسيتيا الجنوبية عن باقي الأراضي الجورجية (فانو شلاموف/فرانس برس)
+ الخط -

بعد نحو 14 عاماً على إعلانها الاستقلال من جانب واحد منذ 2008، تنظم جمهورية أوسيتيا الجنوبية الانفصالية عن جورجيا استفتاءً من أجل الانضمام إلى روسيا الاتحادية في غضون الشهرين المقبلين.

وكشف رئيس الجمهورية الانفصالية أناتولي بيبيلوف، في تصريحات اليوم الخميس، أنه مستعد للتخلي عن منصبه في حال وافق الأوسيتيون الجنوبيون على الانضمام إلى روسيا لصالح تشكيل كيان فيدرالي موحد مع جمهورية أوسيتيا الشمالية، التابعة للاتحاد الروسي تحت اسم "أوسيتيا- آلانيا".

أهداف الانضمام إلى روسيا

وفي حوار على "تلغرام" مع المذيع فلاديمير سالافيوف، أحد أهم صنّاع البروباغندا في الكرملين، أعرب بيبيلوف عن أمله في أن يسهم انضمام جمهوريته إلى روسيا في استقرار الأوضاع الأمنية وتحسن الاقتصاد وزيادة عدد السكان، بسبب مشروعات التكامل مع المناطق المحاذية في روسيا، مقلّلاً من وجود أي تهديدات من قبل جورجيا.

وأعلن ببيبيلوف، أمس الأربعاء، أن بلاده ستتبنّى خطوات قانونية من أجل الانضمام إلى روسيا، لتعزيز أمن المواطنين، نظراً لأن الدستور الروسي ينص على عدم إمكانية التنازل عن أي جزء من الأراضي الروسية. كما يمكن الحصول على فرص إضافية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإتمام مشروعات تطوير البنية التحتية والمرافق الاجتماعية.

من المرجّح تنظيم الاستفتاء في شهر مايو/أيار المقبل

وحسب التوقعات، فإن الاستفتاء سينظم بعد انتخابات رئاسية مقررة في الجمهورية في 10 إبريل/ نيسان الحالي، والأرجح في مايو/ أيار المقبل.

ويتنافس بيبيلوف مع نائب رئيس البرلمان ألكسندر بليف، وزعيم حزب نيكاس السياسي آلان غاغلوف، والنائب غاري مولداروف، والنائب السابق دميتري تاسوييف في الانتخابات. وانتخب بيبيلوف رئيساً في 2017، بعد أن شغل، منذ يونيو/حزيران 2014، منصب رئيس برلمان الجمهورية.

وتقع أوسيتيا الجنوبية في الجهة الجنوبية من سلسلة جبال القوقاز الكبرى، وتبلغ مساحتها 3900 كيلومتر مربع، ويقطنها أكثر من 53 ألف نسمة، منهم ثلاثون ألفاً في العاصمة تسخينفالي.

وإضافة إلى روسيا وفنزويلا ونيكاراغوا وجزيرة ناورو والنظام السوري، تعترف باستقلال هذه الجمهورية الانفصالية عن جورجيا كل من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين عن أوكرانيا، وبريدنيستروفيا الانفصالية عن مولدافيا، وجمهورية ناغورنو كاراباخ المعلنة من جانب واحد.

وتعدّ أوسيتيا الجنوبية إحدى "القنابل الموقوتة" التي تفجّرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فالمنطقة المتمتعة بحكم ذاتي في إطار جمهورية جورجيا الاشتراكية السوفييتية منذ عام 1922، بقرار من مجلس السوفييت الأعلى، أعلنت الاستقلال عن جورجيا في عام 1991.

وتسببت الخطوة بحرب استمرت حتى عام 1992 بعد محاولة السلطة المركزية في تبليسي إعادة السيطرة عليها، وإلغاء الحكم الذاتي. ودفعت الحرب إلى تهجير نحو 100 ألف جورجي نحو مناطق داخلية، في حين اختار 23 ألف أوسيتي اللجوء إلى روسيا.

وباءت محاولة السلطات الجورجية الأولى لاعادة أوسيتيا الجنوبية بالفشل، وفي نهاية عام 1992، أبرم الطرفان اتفاقاً لوقف النار برعاية روسية، ونشرت روسيا وجورجيا وأوسيتيا الجنوبية قوات لحفظ السلام. ولاحقاً، أرسلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا كتيبة للمساعدة في المحافظة على وقف إطلاق النار.

وبعد أشهر من "ثورة الزهور" المخملية التي أطاحت حكم الرئيس إدوارد شيفارنادزه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، تجدد القتال في أوسيتيا الجنوبية عقب تعهد الرئيس المنتخب حينها ميخائيل ساكاشفيلي بإعادة وحدة الأراضي الجورجية، وإنهاء سوق التهريب السوداء في أوسيتيا الجنوبية، وحينها تم تطويق الاشتباكات بعد مصرع العشرات من الطرفين.

وفي عام 2008، تصاعد التوتر في المنطقة مرة أخرى في الربيع. وفي مطلع أغسطس/آب 2008، انطلقت جولة جديدة من الاقتتال بعد تفجير سيارة كانت تقلّ جنوداً جورجيين من قوات حفظ السلام المشتركة مع الأوسيتيين والروس.

وردّ الجورجيون باستهداف قوات أوسيتية، فردت الأخيرة بقصف قرى جورجية، وتواصل القصف والردّ من الجانبين حتى مساء 7 أغسطس، حين أعلن ساكاشفيلي وقف إطلاق النار من جانب واحد، داعياً إلى محادثات سلام.

ولم تلق الدعوة الجورجية قبولاً لدى الأوسيتيين الذين صعّدوا من وتيرة القصف على القوات الجورجية، التي تحركت ليلاً بعد ذلك باتجاه تسخينفالي واحتلتها في صباح اليوم التالي.

وبدا واضحاً أن الجانب الأوسيتي أراد استفزاز تبليسي للردّ على قتل المدنيين، ما شكّل ذريعة مناسبة لغزو روسيا التي تحرّك جيشها مباشرة عبر نفق روكي الواصل بين أوسيتيا الجنوبية وأوسيتيا الشمالية. وبدأ الغزو البري والجوي والبحري واسع النطاق تحت شعار "الإرغام على السلام".

ولم يكتفِ الروس باستعادة تسخينفالي في 10 أغسطس، بل احتلوا قرابة 40 في المائة من أراضي جورجيا، وحاصر أسطول البحر الأسود الروسي الساحل الجورجي. وسيطر الروس على كامل إقليم أبخازيا الجورجي، وبدأت حملة تطهير عرقي ضد الجورجيين، نزح بنتيجتها قرابة 200 ألف جورجي من الإقليمين، عاد قسم منهم لاحقاً إلى قراهم الأصلية.

تنفق روسيا 5 مليارات دولار سنوياً على الجمهوريات الانفصالية

واعترفت روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في 26 أغسطس 2008، على الرغم من المناشدات الغربية بعدم فعل ذلك. وفي 15 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وقع رئيسا روسيا ديمتري ميدفيديف وأوسيتيا الجنوبية إدوارد كوكويتي في موسكو معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة.

وشكّل تدخل روسيا العسكري في عام 2008 سابقة كانت الأولى من نوعها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتبعها التدخل في أوكرانيا عبر السيطرة على شبه جزيرة القرم، وتنظيم استفتاء لضمها إلى روسيا في ربيع 2014، ولاحقاً، دعم الانفصاليين في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الذين كشفوا منذ أيام أنهم سينظمون استفتاء للانضمام إلى روسيا.

الدعم المالي الروسي

وعلى الرغم من استقلالها الشكلي، لا تملك أوسيتيا الجنوبية عملتها الخاصة، وتستخدم الروبل الروسي في تعاملاتها، وتعتمد بشكل شبه كامل على مساعدات الميزانية الروسية، ففي الفترة بين عامي 2009 و2016، تلقت أوسيتيا الجنوبية أموالاً بقيمة 52.45 مليار روبل (أي ما بين 1.5 مليار و3.4 مليارات دولار، وفقاً لأسعار الصرف التي تراوحت بين 28 روبلاً للدولار في عام 2009 و66 روبلاً للدولار في عام 2016).

وبحسب تحقيق أصدرته صحيفة "نوفايا غازيتا" المعارضة في يناير/ كانون الثاني 2021، فإن روسيا تدعم جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين عن جورجيا مادياً، وتؤمّن دعماً كبيراً لإقليم بريدنيستروفيا (ترانسنستيريا) الطامح إلى الانفصال عن مولدافيا.

وحسب تقديرات الصحيفة، فإن حجم المساعدات لهذه الكيانات الانفصالية بلغ في السنوات الخمس الماضية فقط 32 مليار دولار، وشمل الدعم دفع الرواتب التقاعدية للسكان، والكهرباء المجانية للشركات، ونفقات أخرى.

وأفاد تقرير صادر عن مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية في عام 2020 بأن حجم الإنفاق على الجمهوريات الانفصالية غير المعترف بها يبلغ حوالي 5 مليارات دولار سنوياً.

المساهمون