استمع إلى الملخص
- المدينة تضم مواقع عسكرية هامة يدافع عنها الجيش، مثل كلية القادة والأركان ومستشفى السلاح الطبي، وتعتبر جزءاً كبيراً من ولاية الخرطوم.
- رغم سيطرة الجيش على مناطق واسعة، تواصل قوات الدعم السريع قصفها، مما يزيد من معاناة السكان الذين يعتمدون على التكايا للحصول على الطعام.
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع في 15 إبريل/ نيسان 2023، وقع عددٌ من المدن ضحية المعارك العنيفة والقصف الجوي والمدفعي بين الطرفين، ومن بينها مدينة أم درمان بالعاصمة، وهي العاصمة التاريخية للسودان، والتي تستهدفها قوات الدعم السريع بشكل شبه يومي بالقذائف المدفعية، مخلّفة قتلى وجرحى بين المواطنين، مع استمرار الاشتباكات الميدانية في عددٍ من أحيائها والمناطق المحيطة بها، إذ تضم المدينة عدداً من المواقع العسكرية التي يدافع عنها الجيش ويُطلق منها هجماته البرّية والجوية.
ومنذ منتصف إبريل 2023، يخوض الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، معارك خلّفت آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين، وفق بيانات الأمم المتحدة. وتشكل مدينة أم درمان، ثاني أكبر مدن السودان، الجزء الكبير من ولاية الخرطوم، العاصمة المثلثة، والتي تقع على طول الضفة الغربية لنهر النيل قبالة مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري. وتضم المدينة عدداً من المؤسسات، مثل هيئة الإذاعة والتلفزيون ومقر البرلمان والمسرح القومي، وعدداً من المقار العسكرية، مثل كلية القادة والأركان ومستشفى السلاح الطبي وقاعدة وادي سيدنا الجوية، والكلية الحربية، كما تضم أكبر الأندية الرياضية، ناديي الهلال والمريخ.
أم درمان... تاريخ من الحروب
وتسمى أم درمان بالعاصمة الوطنية، أو البقعة، كما أطلق عليها الزعيم السوداني الإمام محمد أحمد المهدي، الذي قاد الثورة المهدية ضد الحكم التركي ــ المصري في السودان واتخذها عاصمة لدولته. وقد تعرضت أم درمان في تاريخها للكثير من الحروب، وتم قصفها بالمدافع من قبل بوارج قوات الاستعمار البريطاني بقيادة اللورد هربرت كتشنر، وطاول القصف قبة ضريح المهدي، عقب معركة كرري الشهيرة عام 1889 في شمال أم درمان، قبل أن تقع الآن تحت نيران مدافع قوات الدعم السريع منذ إبريل 2023.
تسمى أم درمان بالعاصمة الوطنية، أو البقعة، كما أطلق عليها الزعيم السوداني الإمام محمد أحمد المهدي الذي قاد الثورة المهدية
وتزايد عدد المواطنين في أم درمان بعد تمكن الجيش من السيطرة على مناطق واسعة منها. وقد ساعد ذلك في عودة الحياة إلى عدد من الأحياء واستئناف عمل بعض المصارف والمؤسسات وأقسام الشرطة وحركة المواصلات. لكن قوات الدعم السريع، التي ما زالت تسيطر على أجزاء من أم درمان ومناطق أكبر في مدينة الخرطوم بحري، الضلع الآخر للعاصمة، تقصف بصورة مستمرة أم درمان، فيما ينفذ سلاح الجو التابع للجيش غارات على مصادر القصف الذي لا يتوقف.
وأعلنت وزارة الصحة في الخرطوم أن قصفاً مدفعياً نفذته قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي، تسبب في مقتل طفلة وشخص وإصابة عشرة آخرين. وأضافت في بيان، في 18 سبتمبر/ أيلول الحالي، أن القصف استهدف عدداً من الأحياء في بلدية كرري، منها عمارة المحامين وموقف الفتح في سوق صابرين المكتظ بالمواطنين، ما أدّى إلى إغلاقه، والحارات الغربية المواجهة لحارة الصحافيين، فيما أصيب المبنى الإداري لمحطة مياه منطقة المنارة. وفي قصف جديد، يوم السبت الماضي، أعلنت الوزارة مقتل طفلين وجرح تسعة أشخاص آخرين في استهداف قوات الدعم السريع الحارات الأولى والثانية والـ23 والـ18 في منطقة الثورة.
وأعلنت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم في بيان، في 11 سبتمبر الحالي، أنه تم تنظيف 2.6 مليون متر مربع في منطقة أم درمان القديمة، وأجزاء من منطقة كرري، وتمّ جمع 5245 قذيفة و23725 ذخيرة صغيرة، إلى جانب جمع 1470 قذيفة من منطقة أمبدة. وأشارت اللجنة إلى أن هناك 470627 متراً مربعاً لم يتم تنظيفها، وهي عبارة عن منازل مغلقة بواسطة أصحابها.
وفي 18 أغسطس 2023، حذرت منظمة أطباء بلا حدود في بيان من أن العنف والقصف المكثف يهدد مستشفى النو الواقع في أم درمان. ودعت المنظمة جميع الأطراف المتحاربة إلى تجنيب المدنيين هذا العنف غير المقبول وضمان حماية المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية، موضحة أن مستشفى النو يمثل شريان حياة أساسياً للشعب. وقال منسق الطوارئ في "أطباء بلا حدود" فراوك أوسيغ، في البيان: "بينما يعمل الأطباء في النو على مدار الساعة، تسقط القذائف في الجوار، ما يتسبّب في مزيد من الرعب ويهدد عمل المستشفى المنقذ للحياة. ولهذا ندعو جميع الأطراف المتحاربة إلى تجنيب المدنيين هذا العنف غير المقبول وضمان حماية المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية، فإذا لم تتمكّن المستشفيات من العمل فسيشتد البؤس والمعاناة".
رعب متواصل ومعيشة صعبة
وقال يوسف عادل، المقيم في منطقة كرري ويعمل في بيع الهواتف، إنهم يعيشون في رعب متواصل من القذائف المتساقطة على المدينة والتي تطلقها قوات الدعم السريع من مدينة بحري. وأضاف أن السوق الذي يعمل به تعرض للقصف أكثر من مرة، وقُتل وجرح عدد من المواطنين، مشيراً إلى أنهم اعتادوا على هذا الأمر، وحتى أنه خلال قصف وقع الأسبوع الماضي، أغلق السوق ليوم واحد. وقال عادل، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يستطيع التوقف عن العمل بسبب صعوبة الحياة رغم استقرار أسعار السلع بسبب الطريق المفتوح من أم درمان حتى عطبرة والذي يسيطر عليه الجيش. وتابع: "أحصل في اليوم على مبلغ يراوح بين سبعة وعشرة آلاف جنيه (الدولار يساوي ألفي جنيه سوداني)، وأصرفها على شراء مستلزمات المعيشة، وندخر منها لدفع إيجار المنزل في نهاية الشهر".
تزايد عدد المواطنين في أم درمان بعد تمكن الجيش من السيطرة على مناطق واسعة منها
وفي أحياء أم بدة، غرب أم درمان، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، تمكنت فاطمة علي من المغادرة إلى منطقة الثورة التي تقع تحت سيطرة الجيش في الشمال الغربي بعد دفع مبلغ 300 ألف جنيه لعناصر "الدعم"، للسماح لها بأخذ الثلاجة والتلفاز وبعض الأثاث وأواني الطعام، وقد استخرجت تصديقاً من "الدعم السريع"، وآخر من الجيش قبل بدء الرحلة.
وقالت فاطمة، لـ"العربي الجديد"، إن المنطقة صارت صعبة ولا تتوفر العلاجات لوالدتها المريضة إلى جانب غلاء أسعار السلع، ما دفعهم إلى مغادرة منزلهم واستئجار آخر في حي الثورة الخاضع لسيطرة الجيش. وأضافت أن منطقة الجيش أفضل، إلا أن القصف المدفعي يؤرقهم ويجعلهم يتوقعون سقوط قذيفة على منزلهم في أي وقت. وذكرت أن القصف كان مركزاً في منطقة معينة لا يذهب إليها الناس ولا يسكنون فيها مثل الحارة 4 والحارة 12، ومستشفى النو في الحارة 8، والذي تم قصفه مرات عديدة، مشيرة إلى أن القصف أصبح الآن يطاول الكثير من المناطق. وأشارت فاطمة إلى أنهم أصبحوا يتخوفون من أنه لا يوجد أمان، وهناك جيران ومعارف لهم بدأوا في بيع ما يملكون للمغادرة. وأضافت: "المعيشة صعبة والناس الذين يعيشون في المدارس التي أصبحت مراكز إيواء يعتمدون على التكايا (مطابخ خيرية)، في الحصول على الطعام، وهناك أسر تسكن في منازلها تحصل على الطعام من هناك أيضاً بسبب سوء الأوضاع".
أتاحت السيطرة على خزان جبل أولياء جنوب الخرطوم لقوات الدعم إيصال إمدادها القادم من غرب السودان إلى أم درمان ثم بقية المناطق
من جهته، قال الصحافي محمود محمد، من أم درمان، لـ"العربي الجديد"، إن "الناس تعايشوا مع واقع القصف المدفعي الذي تنفذه الدعم السريع بصورة عشوائية، خصوصاً على الريف الشمالي لأم درمان". وذكر أن أجزاء واسعة في منطقة أم درمان القديمة انتزعها الجيش من "الدعم"، لكن لم يعد إليها المواطنون بسبب الدمار الكبير وغياب الخدمات. وأضاف أن "الدعم" تستهدف بالمدافع سوق صابرين، شمال أم درمان، وهو أكبر سوق في الخرطوم، بينما الحياة في منطقة كرري تسير بصورة عادية وتتوفر الخدمات، وتنحصر المعارك في مناطق أم بدة غرباً وأجزاء من أحياء الفتيحاب جنوباً.
وأشار محمد إلى أن الجيش لديه معسكراته في مناطق كرري والمهندسين والمرخيات، واستعاد نقاطه في هيئة الإذاعة والتلفزيون بعد تحريرها في مارس/ آذار الماضي من "الدعم السريع"، والتي تتمركز بدورها في معسكر الشيخ يوسف في حي صالحة، وتنتشر في مدخل الولاية الغربي، سوق "المويلح"، بالإضافة للوجود الكبير في سوق ليبيا ومنطقة أم بدة. ورأى محمد أن السيطرة على خزان جبل أولياء، جنوب الخرطوم، أتاحت لقوات الدعم السريع إيصال إمدادها القادم من غرب السودان إلى أم درمان ثم بقية المناطق.