لم تبد ألمانيا حماسة للمشاركة في غارات التحالف الدولي لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العراق وسورية، وتقتصر مشاركتها على تقديم التدريب والدعم اللوجستي وإرسال مساعدات إلى النازحين على عكس ما قامت به في أفغانستان، حيث شارك الجيش الألماني مع حلفائه في شنّ الغارات وضرب معاقل "طالبان".
ويضمّ التحالف دولاً تتفاوت قدراتها العسكرية واللوجستية، علماً أن الدول المنضوية في إطاره تتقاسم الأدوار والمهمات، انطلاقاً من مصالح وحسابات خاصة بكل منها، تتفاوت بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية والدينية وسواها.
وتُعدّ ألمانيا إحدى الدول التي تكتفي، حتى الآن، بإرسال عدد من الخبراء والمدربين على دفعتين، تزامناً مع تزويدها السلطات الأمنيّة في شمال العراق بالخوذ والدروع الواقية ومناظير الرؤية الليلية والبنادق والمسدسات والعربات المدرعة والصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة الى ملابس شتوية ومستلزمات طبية. واتخذت السلطات، أخيراً، قرارات جديدة بإرسال المزيد من الدعم العسكري إلى العراق في الفترة المقبلة.
ويثير قرار المشاركة عسكريّاً أو عدمها جدلاً واسعاً داخل البرلمان الألماني، إذ تعتبره بعض القوى السياسية غير دستوري ولا يتوافق مع القانون الدولي، ولا يستمدّ أيّ شرعيّة، في غياب أي تفويض أو قرار من الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، تذهب قوى أخرى في اتجاه تأكيد قدرة ألمانيا على المشاركة بست طائرات مقاتلة من نوع "تورنيد"، بإمكانها الانطلاق من قواعد في الأردن، وعلى غرار ما تقوم به دول صغيرة في حلف الناتو مثل بلجيكا وهولندا، اللتين تشاركان في الغارات الجوية مع الحلفاء، بينما اختارت الدنمارك، أن تتخذ من العراق نقطة انطلاق لطلعاتها الجويّة، وهو ما سبق أن أشار إليه الجنرال السابق لحلف الناتو والمفتش العام السابق للجيش هارالد كوجات.
من الناحية السياسية ــ الاجتماعية والأمنية، يرى الرافضون لمشاركة ألمانيا في الضربات الجوية، أنّ الدعم العسكري للأكراد في كل من سورية والعراق مبالغ فيه، انطلاقاً من أنّ المجتمع الدولي يرفض قيام دولة كرديّة مستقلة. كما أنّ القوات التي تخضع للتدريب في العراق ليست جزءاً من الجيش العراقي النظامي. ويعتبر هؤلاء أنّ المساعدة يجب ألا تقتصر على الأكراد أو على الأقليات الدينية فحسب، مستندين، في وجهة نظرهم، إلى أنَّ ضحايا العنف في المنطقة ليسوا من مذهب أو طائفة معينة، بل هم، أيضاً، من المسلمين، كما يجب عدم تأجيج الخلاف بين الأكراد والعرب، بعدما ازدادت الكراهية بين أبناء المجموعتين العرقيتين، وفي ظلّ خطر حقيقي يهدّد بحدوث تفكّك عرقي في كلّ من العراق وسورية.
ولا يغفل المعنيون خطر الإرهاب وإمكانية أن تؤدي مشاركة ألمانيا في الضربات ضدّ "داعش"، إلى وقوعها في مرمى أهداف هذه التنظيمات، فتتعرض أراضيها لهجمات إرهابيّة، وخصوصاً أنّها تستضيف عدداً كبيراً من الأجانب، علماً أنّ ألمانيا باتت تعرف بـ"ملجأ" الهاربين من الحروب في أوطانهم، ويشكل المسلمون جزءاً كبيراً منهم.
عسكريّاً، يعتبر مسؤولون ألمان أنّه بغياب استراتجية شاملة وواضحة، فإنّ الضربات الجوية غير كافية للقضاء على التنظيمات الإرهابيّة، كما أنّها تتطلب تكاليف مادية باهظة، بالإضافة إلى المدة الزمنيّة الطويلة التي من الممكن أن تستغرقها هذه الحرب. وينطلقون، في وجهة نظرهم هذه، من التساؤل عن "فائدة هذه الضربات، إذا لم تخضع قوات محليّة للتدريب، لتتولى الدفاع عن المناطق التي يتم تحريرها؟".
ويرى خبراء، أنّ الوجود السابق لقواعد عسكريّة، أميركيّة وفرنسيّة، في المنطقة، يجعلها قادرة على التحرّك بمرونة أكثر من سلاح الجو الألماني، يضاف إليها توفّر "البنيّة التحتيّة العسكرية" لتلك الدول في العالم العربي، حيث من الممكن تنفيذ طلعات جويّة من قاعدة الظفرة في الإمارات العربية المتحدة، والتي تعتبر من أهم القواعد الجويّة في المنطقة العربيّة وتضم مدرجين رئيسيين، وتوجد فيها طرق فرعية عدة و50 حظيرة للطائرات وعدد كبير من العنابر تستخدمها مقاتلات فرنسيّة وأميركيّة وبريطانيّة.
ومما لا شكّ فيه، فإنّ السياسات الألمانيّة تتّسم بالكثير من الواقعيّة وتستفيد من تجاربها، إذ على الرغم من أنّها تمثل أكبر الاقتصادات في أوروبا، وتُعدّ واحدة من أهم دول حلف شمال الأطلسي، لكن ثمّة شكوك حول جهوزيّة القوات المسلّحة، في أدائها وقدرتها على القيام بالدور المطلوب منها، ما قد يخضع الحكومة الألمانية للمساءلة لاحقاً، وهو ما أشارت إليه صراحة هيئة الأركان خلال اجتماع للجنة الدفاع في البرلمان الألماني.
انطلاقاً من كلّ هذه الأسباب، تركّز السلطات الرسميّة الألمانية على لعب دور في عمليات التدريب وتقديم الدعم اللوجستي، على اعتبار أنّه بإمكان هذين العاملين، أن يشكلا أرضيّة لدعم قوات محلية للقتال، وخصوصاً أنّ هذه القوات على دراية تامة بالطبيعة الجغرافية لتلك المناطق، حيث تتواجد التنظيمات المتطرّفة، ومن شأنه أن يشكل عاملاً إضافيّاً، وقد يحدث خرقاً نوعيّاً على أرض المعركة.
وتعتزم ألمانيا، وفق ما أعلنته وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين قبل أيام، إرسال المزيد من شحنات الأسلحة إلى مقاتلي البشمركة الأكراد في إقليم كردستان العراق، بحلول الشهر الحالي، بعدما كان الجيش الألماني قد أرسل العام الماضي أسلحة بقيمة نحو 70 مليون دولار، للجهة ذاتها، لاستخدامها في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية". وسمح ذلك بتسليح نحو 10 آلاف من إجمالي قرابة 100 ألف من المقاتلين بأسلحة هجومية وصواريخ ومركبات مدرعة. وفي السياق ذاته، يندرج تصويت البرلمان، الأسبوع الماضي، على خطط الحكومة لمساعدة قوات البشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق، عبر إرسال 100 جندي ألماني إضافي، لتدريب المقاتلين الأكراد وتأهيلهم للقتال والتصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية".