أداء محافظين مصريين يثير انتقادات واسعة... واعتذار حكومي نادر

21 يوليو 2024
في أحد شوارع القاهرة، 1 يوليو الحالي (Getty)
+ الخط -

أثار أداء محافظين مصريين تسلموا مهامهم أخيراً استهجان مواطنين عديدين وغضبهم، وذلك بسبب عمل بعض هؤلاء المحافظين على أخذ ما تعرف بـ"اللقطة الإعلامية" في جولاتهم الميدانية، في وقت يعاني الناس من أزمات لا حصر لها، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والتضخم، وتراجع خدمات منظومتي التعليم والصحة. ومن "اللقطات الإعلامية" ما فعله محافظ الدقهلية، اللواء طارق مرزوق، الذي كان سابقاً مساعداً لوزير الداخلية السابق لقطاع السجون، إذ طارد سيدة حتى منزلها، ظناً منه أنها تشتري كمية كبيرة من الخبز المدعوم للمتاجرة بها، واتّضح لاحقاً أنها تجمع بطاقات التموين من جيرانها لتشتري لهم الخبز، مقابل الحصول على بعض الأرغفة الإضافية.


عمار علي حسن: ما فعله المحافظون يعكس توجيهات سياسية لهم في محاولة لتحسين صورة السلطة

"اللقطة الإعلامية"

واصطحب المحافظ وسائل إعلام معه خلال مداهمة منزل السيدة، ومصادرة أرغفة الخبز التي بحوزتها. وانقلبت "اللقطة" ضده، مما استدعى لدى نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي مخالفاته السابقة في أثناء إدارته قطاع السجون، وضلوعه في وقائع تعذيب ممنهجة للنشطاء من المعتقلين السياسيين. وتورّط محافظ سوهاج اللواء عبد الفتاح سراج في واقعة أشد جدلاً، حين اقتحم وحدةً صحية في قرية المراغة، وأساء إلى طبيبة الوحدة، بعد أن اصطحب كاميرات تصوير داخلها بالمخالفة للقانون، حتى إنه تقمّص دور الطبيب، وأمر بتعليق محاليل طبية لأحد الأطفال. واعتذر رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي إلى الطبيبة، بعد تداول الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي. وتعرّض المحافظ لهجوم حاد من نشطاء ومختصين، وتضامنت نقابة الأطباء مع الطبيبة. وفي جلسة البرلمان المخصّصة للتصويت على برنامج الحكومة، اعتبرت النائبة مايسة عطوة اعتذار رئيس الحكومة للطبيبة "رسالة احترام للمرأة المصرية". كما اصطحب محافظ أسيوط، اللواء هشام أبو النصر مراسلين في إحدى جولاته، لالتقاط الصور وهو يشتري النعنع من بائعة متجولة، فتحوّل الفيديو إلى مادة للسخرية وسط انتقادات لتجاهله المشكلات الحقيقية في محافظته.

واستقبل المواطنون على مواقع التواصل جولات محافظين مصريين ومواقفهم مع الناس بانتقاد شديد، واعتبروها محاولة فاشلة لافتعال لقطات مصطنعة، توحي لقيادات النظام بأنهم يمارسون مهامهم على خير وجه. وقال الصحافي المصري في الولايات المتحدة، محمد السطوحي، إن "ما حدث مع محافظين مصريين ووزير التزوير (في إشارة إلى نيل وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف شهادة من جامعة كارديف سيتي الأميركية ثبت عدم صحتها)، مجرد مؤشّرات وأعراض للمرض الحقيقي المرتبط بالمنظومة التي تفرز وتختار". ولكن مقدّمي برامج "التوك شو" الموالية للنظام دافعوا عن المحافظين وعن مواقفهم في الشارع، ومنهم المذيع تامر أمين الذي قال في برنامجه على قناة "النهار": "محافظ سوهاج وبّخ طبيبة بسبب رفضها علاج طفل، وهذه رسالة عظيمة بأن الطبيب رسالته العلاج، وليس الحصول على قيمة الكشف".


محمود خليل: أداء المحافظين دليل على عدم الاستعانة بالمتخصّصين في العلاقات العامة والتسويق

سوء أداء محافظين مصريين

وحول هذه التطورات، قال الخبير الاقتصادي حسن الصادي لـ"العربي الجديد"، إن هذه المشاهد تسوغ خوفاً على مصير الدولة المصرية، لا سيما مع وجود مسؤولين من هذه العقلية يديرون أزمة غاية في الدقّة والخطورة. وأضاف أن "الأزمة الاقتصادية مستفحلة بقوة، وتحتاج إلى عقليات أكثر نضجاً وخبرة، بعيداً عن لقطات السوشال ميديا". كما رأى الباحث في الاجتماع السياسي، عمّار علي حسن، أن ما فعله المحافظون "يعكس توجيهات سياسية لهم في محاولة لتحسين صورة السلطة". ودلل على ذلك بـ"عدم تقديم أيّ من المحافظين الجدد خطة عمل واضحة يلتزم بها أمام المواطنين، ويثبت بها نيته الجادة في الإصلاح أو حل الأزمات". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "إصرار محافظين مصريين على التنقل وتفقد المواقع بأنفسهم، يثبت الفشل في الإدارة، وعدم التوفيق في اختيار الفريق المعاون لتولي المسؤولية". ورأى أن "مواقع التواصل الاجتماعي باتت منبر التعبير عند المصريين، وهذا دليل عملي على أن البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)، ومؤسسات الدولة الرسمية، لا تمثلهم". واتفق معه أستاذ الإعلام والعلاقات العامة في جامعة القاهرة، محمود خليل، الذي اعتبر أداء محافظين مصريين "دليلاً على عدم الاستعانة بالمتخصّصين في العلاقات العامة والتسويق". وقال: "نحن في عصر مواقع التواصل، والتي يجب وضع تأثيرها في الاعتبار، لكن ما فعله بعض المحافظين محض ارتجال فج أتى بنتائج عكسية... من الأولى الاهتمام بمشكلات الناس التي سترسل صورة جيدة إلى القيادة السياسية، وليس عبر صنع لقطات زائفة ومصطنعة". وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد عيّن 16 لواءً محافظين من أصل 27 محافظاً، من دون أي سوابق خبرة لهم في العمل المحلي.

المساهمون