يعيش جهاز "أعوان السلطة" في المغرب (مؤسسة تضم عناصر مدنية تتبع وزارة الداخلية ويتولى أفرادها مهمات أمنية وإدارية ويعتبرون عين السلطة داخل الأحياء) حالة ارتباك كبيرة في الأيام الأخيرة، بعد مشاركة بعض عناصره بلباس مدني في مراقبة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين واستخدامهم للعنف أثناء فض احتجاجات، ما أدى إلى وضع الجهاز في قفص الاتهام. وأعاد تداول شريط فيديو لشخص بلباس مدني يعتدي على أساتذة لحظة احتجاجهم بالرباط، الأسبوع الماضي، الجدل حول وظيفة "أعوان السلطة" داخل بنية السلطة وفي وزارة الداخلية المغربية، لا سيما بعد سجن المعتدي بتهمة "انتحال صفة والضرب والجرح".
وبينما كان لافتاً خروج "تنسيقية أعوان السلطة في المغرب"، عن صمتها، محمّلة وزارة الداخلية كل المسؤولية عما حدث والتداعيات، أثارت واقعة الاعتداء على الأساتذة المحتجين ووقائع أخرى ارتبطت في الأشهر الماضية بالتدابير المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، قلقاً حقوقياً كبيراً بشأن تنامي دور "أعوان السلطة". كما طرح توالي تلك الأحداث علامات استفهام حول الأدوار التي يمارسها هذا الجهاز الذي يُنظر إليه على أنه "ذراع" للسلطة يتم توظيفها وفقاً لحاجتها.
و"المقدّمون" هم موظفون صغار يخضعون إلى نظام ولوائح وزارة الداخلية في المغرب، لكنّ لوضعهم خصوصية قد لا توجد في أي بلد آخر. هم "عين" الدولة وأجهزتها الأمنية، ينقلون التفاصيل الصغيرة عما يجري في الأحياء والإدارات والقرى. ويسمّى صاحب هذه الوظيفة "مقدماً" في المدينة و"شيخاً" في القرية. يؤدي "المقدمون" و"الشيوخ" داخل المجتمع المغربي دوراً كبيراً، في إطلاع مصالح الدولة وأجهزتها الإدارية وحتى الأمنية على ما يجري، بما يسجلونه من ملاحظات بشأن تصرفات السكان ومخالفاتهم سواء في البناء داخل الأحياء أو فيما يتعلق بأيّ نشاط قد يبدو مريباً، خصوصاً في مجال محاربة الإرهاب.
تحول "أعوان السلطة" إلى نجوم في زمن كورونا، أفسدته الاعتداءات على الأساتذة
ويشكّل هؤلاء "عيناً" حقيقية لأجهزة الدولة تضبط بها إيقاع الحياة داخل الأحياء في الحواضر والأرياف. يسجّلون ما يشاهدونه من التغييرات والمستجدات التي تخصّ السكان، وينقلونها بشكل تقارير شبه يومية إلى رؤسائهم، خصوصاً رجال السلطة، لاتخاذ القرارات أو الاحتياطات اللازمة. وعلى الرغم من المهام الكثيرة الموكلة إلى "المقدمين" و"الشيوخ" والنظرة السلبية لهم أحياناً، إلا أنّ أوضاعهم المادية غير مريحة. وكثيراً ما يعلنون تذمرهم مما يتقاضونه من تعويضات، ما دفع الوزارة الداخلية إلى النظر في مطالبهم، بإقرار زيادة في أجورهم خلال السنتين الأخيرتين، وتخصيص بعض الامتيازات، مثل الهاتف النقال، والدراجة النارية، لتسهيل مأموريتهم.
وفي ظلّ الانتقادات المتلاحقة لهم، لا يمكن تغييب دور "المقدّمين" و"الشيوخ" في مرحلة ما بعد تفجيرات مدينة الدار البيضاء في عام 2003، حين أدوا أدواراً أساسية في مواجهة الإرهاب، مستغلين دورهم في المعرفة الدقيقة بالسكان، كل في موقعه. وفي الفترة الأخيرة، أعادهم فيروس كورونا إلى واجهة الأحداث مع تنامي دورهم منذ فرض الطوارئ الصحية في 26 مارس/ آذار 2020، مساهمين في تطبيق الإجراءات الاحترازية والمحافظة على الصحة العامة، من خلال توليهم مهمة منح "شهادة التنقل الاستثنائية" (ترخيص يخول للمواطن التنقل للعمل أو شراء طعام أو دواء)، وتقديم المساعدات الغذائية، ومراقبة الأسعار والتزام أصحاب المقاهي والمطاعم بالإغلاق، وإنجاز تقارير يومية عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء التي يشرفون عليها.
وفي خضم معركة كورونا تحول بعض المقدمين إلى نجوم عند المغاربة، على غير العادة، مثلما كان الحال مع مقدم "أولاد بلعيد" الذي ظهر في فيديو عرف انتشاراً واسعاً، متحدثاً إلى سكان قريته من مكبر صوت المسجد، ويحذّرهم ويحثهم على ملازمة بيوتهم لمنع تفشي الفيروس القاتل. وكان وقع حديثه أقوى من خطابات بعض الوزراء والمسؤولين.
غير أن تحول "أعوان السلطة" إلى نجوم في زمن كورونا، أفسدته الاعتداءات على الأساتذة، بل وُصموا بـ"البلطجية". مع العلم أن دورهم كان خاضعاً للنقاش قبل الاعتداء، وتحوّل بعده إلى مناقشة قانونية تدخلهم في تفريق الاحتجاجات، خصوصاً في ظل غياب إطار قانوني يحدد نوعية مهامهم، ويضبط مجالات تدخلهم وحدودها، رغم كونهم عموداً فقرياً لوزارة الداخلية ومن أذرع السلطة في المغرب.
وفي ظل عدم خضوع جهاز "أعوان السلطة" لقوانين شفافة، سواء في أساليب التشغيل ونوعية المهمات، ومجالات التدخل، يرى الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، أن هناك حاجة إلى ضرورة الفصل بين الصلاحيات الأمنية المسندة إلى أجهزة المديرية العامة للأمن الوطني والصلاحيات الضبطية للإدارة الترابية. ويلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه من المفروض ألا يشارك "أعوان السلطة" فقط بل أيضاً رجال سلطة في تأطير الاحتجاجات أو مواجهتها. ويضيف أنه "على الرغم من أن مهام الترخيص للتظاهرات الاحتجاجية هي من صلاحيات السلطة المحلية من ولاة وعمال (محافظين)، إلا أن تأطير تلك التظاهرات أو تفريقها هو من اختصاص الأجهزة الأمنية والقوات المساعدة. وبالتالي ينبغي التشديد من خلال قوانين واضحة بالتأكيد على هذا الفصل حتى لا تتكرر مثل هذه الواقعة (الاعتداء على الأساتذة)".
أما رئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان"، أقدم تنظيم حقوقي غير حكومي في المغرب، عادل تشكيطو، فيرى أن "عون السلطة أو المقدم هو عنوان التناقض في الإدارة المغربية، ومن اختصاصاته القيام بكل شيء، لكنه لا يحصل إلا على أجر زهيد، فهو الذي يحرر شهادات السكن والحياة والوفاة والعزوبية والزواج، ولا يمكن لقائد المقاطعة أو الباشا أو رئيس الدائرة (رجال سلطة) منح كل مواطن وثيقة إدارية إلا بعد أن يطلع على تأشيره (توقيعه)". ويشير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مهام عون السلطة تعدت كل ذلك ووصلت إلى حد مراقبة ومعاينة المخالفات العمرانية والإبلاغ عنها، وابداء رأيه في رخص تتعلق بالتجارة أو الصناعة وغير ذلك من المهام التي قد يكون لقطاع آخر غير وزارة الداخلية تدخل مباشر فيها".
ساهم "أعوان السلطة" في مرحلة ما بعد اعتداءات الدار البيضاء عام 2003
وبحسب تشكيطو، فإن "المقدم" الذي كان له الفضل في الإطاحة بشبكات الإرهاب خلال السنوات الأخيرة، والذي يعمل على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، يتفرد بوضع إداري غير مفهوم، فهو من جهة معرض للطرد أو الفصل من العمل بسبب مزاجية رؤسائه، أو إذا لم يمتثل لأمر من الأوامر التي تضعه في غالب الأحيان في موقف لا يحسد عليه، ومن جهة أخرى لا يحصل سوى على أجر زهيد.
ويرى أن "أعوان السلطة" من مقدمين وشيوخ، هم بمثابة "الحائط القصير" بوزارة الداخلية، معتبراً أن "واقعة الاعتداء المرتبطة بمسيرة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، تؤكد ذلك، إذ إن الشخص المعتدي هو عون سلطة، لكنه وفق تحقيقات ولاية الرباط لا يتوفر على وضعية إدارية. ما يطرح معه السؤال التالي: ألا يؤشر هذا الوضع الغريب على وجود نوع من الاستعباد لهذه الفئة؟".
ويقول تشكيطو إنه على الرغم من الدور الذي يؤديه "أعوان السلطة" في المغرب، إلا أنهم لا يتمتعون بأي إطار قانوني واضح، بل لا يدخلون ضمن نظام الوظيفة العامة ولا يتمتعون بمختلف الضمانات المادية والإدارية التي يقرها قانون الوظيفة العامة. ويعتبر أن وضعهم الوظيفي غير المقنن يجعلهم يتأرجحون بين وضعية إدارية غير سليمة ووعود لم يتم تحقيقها منذ سنوات، إذ ما زال النظام الأساسي الخاص بهم حبيس رفوف وزارة الداخلية بعد فترة طويلة من الوعود التي تلقتها هذه الفئة الواسعة، التي كان أن يتم إدراجها ضمن النظام الأساسي للوظيفة العامة لمشروع المالية منذ سنة 2011.
ويبدي اعتقاده بأن "هذا الوضع يخدم مصلحة السلطة، لذلك فهي لن تسوي وضعيتهم على الأقل في الفترة الحالية"، مضيفاً: "صحيح أن ما قام به عون السلطة من اعتداء غير مبرر وعنيف يستوجب المساءلة، لكن في المقابل، لم يساهم في تفريق الاحتجاجات من دون أن يتلقى تعليمات للقيام بهذا الأمر. ولم تكن جرأته لتصل إلى هذا الحد من دون أن يأمره أحد بذلك، بل إن ممارساته غير القانونية واعتداءه المشين قام به أمام أنظار رؤسائه ومباركتهم، وهو ما يستوجب ترتيب الجزاء في حقهم باعتبارهم الأولى بالمحاسبة".