يحدث في أعراسنا

18 يونيو 2014

للزفاف مواعيد تحددها فترة وصول وانقطاع الكهرباء

+ الخط -
فجأة، رأيتهن ينسحبن بسرعة، وكأنهن في سباق مع الريح، وتبدلت ملامحهن التي كانت تحمل المرح والحبور إلى ملامح قلقة ومتوترة ومتحفزة، وبدأن في إزالة الطلاء عن وجوههن، وتغطية رؤوسهن الحاسرة، استعدادا للمغادرة، وحسبما تقتضي تقاليد غزة التي ترفض خروج المرأة من بيتها بطلاء الوجه، ومن دون غطاء على الرأس.

كان هذا الانسحاب المفاجئ والسريع، بعد سماعهن إعلاناً من مكبرات الصوت التي تبث الأغاني والموسيقى، في القاعة الخاصة بحفل الزفاف، حيث أعلنت مسؤولة الـ "دي جي" التي تغير الأغاني وتنظم فقرات الحفل عودة الكهرباء في منطقة المخيم الشمالية، وعلى من يعنيها الأمر المغادرة، لكي تنجز أعمال بيتها، المؤجلة بسبب انقطاع الكهرباء، وتنتظر عودتها لأدائها، مثل الطبخ وغسيل الملابس وكيها وتشغيل مولدات الكهرباء، الخاصة برفع المياه إلى الخزانات في الطوابق العليا من البنايات.

أزمة الكهرباء في غزة، والمستمرة منذ سنوات الحصار، تصيب البيوت الغزية بشلل تام، وعلى ذلك، استمر حفل الزفاف بعدد أقل من المدعوات، إلى درجة أنني وجدت كرسياً فارغاً، وضعت عليه حقيبتي، وبعد قليل، تردد النداء ثانية، فرأيت المشهد نفسه يتكرر بطريقة "الفلاش باك"، فقد غادرت أكثر المدعوات اللواتي يقطن في منطقة أخرى، وهنا، لم يبق في القاعة سوى العروسين، وعدد قليل من المدعوات المقربات، وأنا منهن.

أصبحت الأعراس في غزة تتخذ طابعاً معيناً، فرضته عليها ظروف الحصار، مثل انقطاع الكهرباء وتردي الوضع الاقتصادي، ومن هذه الطقوس التي يحرص عليها أهالي غزة تحديد موعد الزفاف، بحيث يوافق أن ينتهي الحفل مع عودة الكهرباء إلى منطقة سكن العريس، حيث أعدت شركة كهرباء غزة برنامجا لقطع الكهرباء يجعل المواطنين قادرين على التنبؤ بموعد "القطع والوصل" مسبقاً، وعلى ذلك، يتم تحديد الموعد في بطاقات الدعوة، في وقت يتوافق مع توافر الكهرباء في منطقة سكن العريس، نوعاً من التفاؤل.

وتحرص طقوس الأعراس في غزة على تعزيز الانتماء السياسي الثابت والمتجذر لأهل العروسين، من حيث اختيار الأغاني، أو الأناشيد الدينية، وحيث يغلب على الأعراس، والتي ينتمي العريس فيها إلى التيار الاسلامي المتشدد، طابع الأناشيد الدينية، مع عدم دخول العريس قاعة العرس.

ويحدث العكس في غالبية الأعراس التي يتم إحياؤها بالأغاني الحديثة، واتباع عادات منقولة عن المسلسلات التركية المدبلجة، والتي يتابعها الغزيون بشغف. لذلك، فإن اتفاقا مسبقا يتم عقده بين أهل العروسين بشأن النظام الذي سيسير عليه حفل الزفاف، إن كان "إسلامياً" أو "ماجنا" بالوصف الدقيق، وكثيراً ما تحدث مناوشات واشتباكات، تصل إلى درجة الضرب والشتم، وتدخل رجال العائلتين بين المدعوات اللواتي يختلفن في انتماءاتهن السياسية، وانتماء عائلاتهن وأزواجهن، وفي حالاتٍ ليست نادرة، حدثت حالات طلاق بين عروسين، بسبب اعتراض عمة العروس،  مثلاً، على أغنية معينة لا تناسب انتماءها السياسي، أو تشدد خالة العريس على عدم أداء العروس رقصة" البطريق" مع صاحباتها، والتي أصبحت تغزو الأعراس الغزية، أيضاً، بعد أن غزت الأعراس الخليجية.

وتخلت غزة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ عن أهم طقوس الزواج، وهو "الوليمة"، وأصبح الاكتفاء بإقامة وليمة صغيرة خاصة بأهل العروسين والأقارب المقربين، ويتم إرفاق ورقة صغيرة ببطاقة دعوة حفل الزفاف، لمن يرغب أهل العروسين بدعوته لتناول طعام الغداء، في يوم العرس، عكس ما كان يحدث في السنوات السابقة من نحر للذبائح وإقامة الولائم المفتوحة في الأماكن العامة، تفاخراً وكرماً.

حين كانت حقيبتي تستريح على الكرسي المجاور، مددت ساقي إلى الأمام أيضا براحة أكثر، لأني تلفتّ حولي، واكتشفت أن القاعة فرغت تماماً، حتى من أم العروسين، وبدأت العروس بالبكاء، فيما بدا التذمر على وجه العريس، وهتفت بي العروس، قائلة: شايفة يا خالتي، غسيلات أمي أهم من توصيلي لبيتي في هاي الليلة. ربتُّ كتفها، وقلت لها: تكرم عينك رح أوصلك أنا لبيتك، لأني الليلة ما عندي غسيل.............
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.