3 يوليو ... ماذا لو عادت الأيام؟
هل يمكن تناول مأساةٍ بشيء من الهدوء؟ هل يمكن النقاش عن "فشل" مهين من دون تلاوم أو مزايدة؟ لا يمكن، وهذا صعب، لكنه ضروري، الآن، وبعد عشر سنوات من "المأساة"، ليس من أجل التاريخ، أو مكايدات الفرقاء، ولكن من أجل فرصة أخرى "ستأتي"، إذ لا يسمح الواقع، وقوة الأشياء، باستمرار المأساة المصرية اليومية، أو نظام عبد الفتاح السيسي (السياسات لا الشخص).
ثمّة بديهيات عن انقلاب 3 يوليو في مصر تغيب عن نقاشاتنا اليوم، أولها: أن الثورة المضادّة لم تكن مفاجأة، أو مؤامرة، أو تخطيطاً خفياً. جاء ترشّح الإخوان المسلمين بعد وعود قاطعة بعدم الترشّح، بحجّة مواجهة الثورة المضادّة، وأن أحداً لا يمكنه مواجهة مرشّح الدولة وشرائح مؤيديه في أثناء الانتخابات، كما أن لا أحد يمكنه هزيمة الدولة العميقة، بعد حسم الانتخابات وتمثيل معسكر الثورة داخل الدولة سوى "الإخوان"، تجاوزت هذا الأحجيات حدود التصريحات الصحافية والتبريرات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الدعاية الانتخابية نفسها، وما زلت أذكر، وقد كنت مراقباً في إحدى لجان بهتيم عن عبد المنعم أبو الفتوح، أن شباب "الإخوان" كانوا ينبهون الناخبين أمام اللجنة (بالمخالفة للقانون) بأن انتخاب أبو الفتوح أو غيره قد يكون حقّاً، من الناحية النظرية، لكن عملياً لا يمكن لشخص أن يواجه دولة متحفّظة، يحتاج الأمر إلى تنظيم ممتدّ من الإسكندرية إلى أسوان، ما يعني أن "الإخوان" وحدهم هم فرصة الثورة الوحيدة.
البديهية الثانية: راهن أغلب ممثلي القوى المدنية، أفراداً وأحزاباً وجماعات ضغط، على مرشّح الإخوان في جولة الإعادة، مع هامش قليل آثر المقاطعة. ونجح "الإخوان" بأصوات خصومهم، ولم يتوقف الدعم بعد نجاح الرئيس محمد مرسي، بل استمر من كثيرين تأييداً وتشجيعاً لقراراته الأولى، بل وهجوماً من "مؤثّرين" داخل التيار المدني على رفاقهم، لتقاعسهم عن أداء "واجب الوقت"، وهو تجاوز الخصومات الأيديولوجية لصالح التخلّص من دولة حسني مبارك. استمر ذلك حتى الإعلان الدستوري الذي منح الرئيس سلطاتٍ لم تكن لمبارك نفسه، ومن دون أي تنسيقٍ مع أحد، حتى إن أقرب مستشاريه شهد بأنه لم يكن يعلم أو يفهم شيئاً، ما جعل من الاستمرار في دعم الرئيس عملاً غير أخلاقي.
البديهية الثالثة: "الإخوان"، بالفعل، هم القوة الأكثر تنظيماً في المعارضة المصرية. هكذا سمحت لهم ظروف دولة مبارك وسلفه، ولن نناقش هنا أسباب ذلك. وعليه، تتحدّد قواعد اللعبة السياسية وفق شروط العسكر و"الإخوان"، وقد بدأ "شباب" التيار المدني، ومن ورائهم رموزهم، طوعاً أو كرهاً، بالرهان على "الإخوان"، في جولة الإعادة وما بعدها كما أسلفنا، إلا أن رهان "الجماعة" منذ ما قبل رحيل مبارك وحتى ساعات قليلة قبل بيان 3/7 كان على قيادات الجيش المصري، ومراجعة مانشيتات صحيفة الحرية والعدالة وحدها كفيلة ببيان ذلك، لمن لم يعش هذه الفترة.
جرى اعتبار ذلك رهاناً سياسياً واقعياً براغماتياً، تفرضه إكراهات المرحلة، وتطوّع بعض معارضيهم لتبريره، والتجاوز عنه، إلا أن الرهان على العسكر تجاوز ضرورات المرحلة إلى الاستقواء بهم على رفاق الثورة، بل ومكايدتهم، في تصريحات صحافية (الأرشيف موجود)، بأنهم (رموز التيار المدني) لا وزن لهم كي يلتفت إليهم الجيش، أو مؤسّسات الدولة، أو يستجيب أغلبية المواطنين، لدعوات التظاهر أو الانتخابات الرئاسية المبكّرة، ما جعل من الاقتراب من الجيش (بالنسبة لأغلب عجائز المشهد) شرطاً لا يمكن تجاوزه في معركتهم مع "الإخوان"، التي وضع "الإخوان" أنفسهم شروطها وقواعدها، وجعلوها، منذ اليوم الأول، صفرية، إما "الإخوان" (ومعهم الجيش كما كانوا يتصوّرون)، أو خصومهم أعداء الشرعية والشريعة، كما وصفوهم غير مرّة، وكان ما كان. لقد كانت جماعة الإخوان من 11 فبراير/ شباط 2011 وحتى مساء 3 يوليو/ تموز 2013 جزءاً من الثورة المضادّة، سواء بالمشاركة فيها، أو بدفع خصومهم، (العسكر - التيار المدني) إليها، حلّاً وحيداً للبقاء، والمزعج أنه ليس لدينا ما يحول دون تكرار ذلك.