2024... عام لن ينتهي
رغم أنّ أياماً قليلة فقط تبقّت لانتهاء عام 2024، إلا أن ضخامة الأحداث التي شهدها العام (كمّاً ونوعاً) تُشعِر المرءَ كما لو كان العام مستمرّاً معنا إلى حين. ربّما السبب أن ما شهدته منطقة الشرق الأوسط هذا العام أعمق وأشدّ أثراً ممّا جرى في المنطقة خلال عقود، وليس عاماً أو أعواماً فقط. وكلما زادت الأحداث أهمّيةً، طالت أزمان تأثيرها، واتسعت نطاقاتها.
في عام 2024، انكسرت هيبة إسرائيل وانكشفت منظوماتها الدفاعية المتقدّمة أمام أسلحة فردية وتكتيكات بدائية وبسالة قتالية من عناصر كتائب القسّام وسرايا القدس وغيرها من كتائب تابعة لفصائل فلسطينية، وبدأ العام واكتمل، ولم تستطع الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبّارة تحرير بضع عشرات من الأسرى، رغم نحو 50 ألف شهيد، وتشريد مليونين ونصف مليون من المدنيين الفلسطينيين العزّل، فضلاً عن تدمير كامل قطاع غزّة بنيةً وأبنيةً.
ورغم ما قامت به إسرائيل إمعاناً في قتل الفلسطينيين على الهُويَّة، وتصفية كبار قيادات المقاومة، بمن فيهم إسماعيل هنيّة ويحيى السنوار، سيظلّ مغزى السابع من أكتوبر (2023) حيّاً وحاضراً في الأذهان، بأنّ إسرائيل بمنظوماتها الدفاعية كلّها، وبسياجاتها الحمائية، تلقّت طعنة مباشرة في القلب، هي الأولى في هذا السيناريو السينمائي طوال أعوامها الخمسة والسبعين، ولم تنجح وحشية إسرائيل في الانتقام من "7 أكتوبر" طوال عام 2024، في محو تلك الإهانة التاريخية.
في عام 2024، انهارت شبكة حلفاء إيران ووكلائها، وانكسرت شوكتها التي كانت دائماً مصدرَ تهديد وقلق لعدد من دول المنطقة، وطالما أثارت بالفعل قلاقلَ داخليةً لبعضها. وبعيداً من أسباب وطريقة تداعي تلك الشبكة الجهنمية الإيرانية، المهمّ أنّ تفكيكها سيترك بصماتٍ ثقيلةً على الوضع الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط، ربّما لعقود. فسيسجّل التاريخ أن 2024 شهد تكسير أصابع إيران، التي كانت تعبث في المنطقة، فصُفِّيت قيادات حزب الله ومعظم قيادات الصفّ الثاني، ودُمّرت أهداف عسكرية حيوية ومراكز قيادةٍ وتوجيه، ومخازن استراتيجية تابعة للحزب في لبنان وسورية. ولم تكتفِ إسرائيل في سورية بضرب أهداف إيرانية، وقطع خطوط الإمداد إلى حزب الله، بل سارعت، بعد سقوط نظام بشّار الأسد، إلى التوغّل في الأراضي السورية عبر الجولان، ودمّرت معظم القدرات العسكرية السورية.
وبالتوازي مع هذا التطويق لطهران في سورية، بدأت إسرائيل بتأمين جبهة الحوثيين في اليمن، فراحت تضرب مواقعهم العسكرية، ومخازن الأسلحة والذخيرة. ورغم عدم تمكّنها (حتى لحظة كتابة هذه السطور) من تدمير مراكز إطلاق المُسيَّرات، لكن الضربات الإسرائيلية أفقدت الحوثيين كثيراً من قدرتهم العسكرية واللوجستية، حتى إن بعض القيادات العسكرية والسياسية شرعت في الخروج من صنعاء، والتخفّي تجنّباً للاستهداف من تلّ أبيب. ملاحقات إسرائيل أضعفت الأذرع الإقليمية لطهران حتى صارت مبتورة اليدين، وهو وضع لن ينتهي بنهاية العام، وإنّما سيستمرّ فترةً غير معلومة.
أمّا التغيير في سورية، فهو الحدث الأبرز الذي تصدّر الأنباء في الربع الأخير من العام، وهو جدير بذلك. فقد بدا سقوط بشّار الأسد كما لو كان حلقةً في سلسلة ثورات الربيع العربي، وكأنّ الأعوام من 2011 إلى 2024 كانت فترة تخزين أو تعليق للثورة السورية، وسيكون لسقوط بشّار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة تداعيات عميقة، ستمتدّ آثارها في مدىً زمني مفتوح، وستتردّد أصداؤها خارج سورية، وربّما تغطّي كلّ إقليم الشرق الأوسط.
هذه فقط بعض الملفّات والقضايا التي شهدت تطوّرات مفصلية هذا العام، وهي تكاد تنطق بأن تفاعلاتها سارية ومستمرّة للعام المقبل، وربّما إلى أبعد من ذلك. وهكذا يستحق عام 2024 لقب العام الذي لا ينتهي.