موسكو حليفة بشّار... ولكن

16 ديسمبر 2024

جنود روس قرب شاحنات عسكرية استعداداً لإخلاء موقعهم في القامشلي (12/12/2024 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

تساؤلات كثيرة أثيرت (ولا تزال) عن موقف حلفاء بشار الأسد، ومدى خذلانهم له، في الأيام التي سبقت هروبه خصوصاً. ولمّا كانت إيران الحليف الإقليمي الأوّل والأوثق تمرّ بفترة شديدة الصعوبة، على وقع ضربات متتالية تلقّتها خلال الأشهر الماضية، فإن موقفها أكثر قابليةً للفهم والتفسير، خاصة بالنظر إلى ما تناقلته تسريباتٌ عن شكوك ساورت طهران بشأن حقيقة موقف دمشق، أو بالأدقّ دورها في تمرير معلومات خطيرة إلى إسرائيل، أسهمت في نجاح موجة الاغتيالات المتتالية لقيادات حزب الله.
الجدير بالتأمل والنظر هو سلوك روسيا الحليف العالمي الرئيسي لدمشق، والقوة العالمية الأكثر استفادة من عدم زوال نظام بشار الأسد طوال العقد الماضي، فلروسيا مصلحة حيوية في الحفاظ على الوجود العسكري الذي منحه إياها نظام الأسد. لذا، فإن التخلّي عن دعم ذلك النظام، وعدم مساندته في مواجهة فصائل المعارضة، مسألة يشوبها غموض كبير.
كانت موسكو تتابع تطوّر استعدادات الفصائل السورية المسلّحة، وفي مقدّمتها هيئة تحرير الشام، وتحضيراتها للهجوم الشامل الذي شنّته على مواقع سيطرة الجيش النظامي السوري، فقد استغرقت تلك الاستعدادات ما يقارب ستة أشهر، بين مراكمة أسلحة وذخائر، وإعادة انتشار للقوات والمجموعات المسلّحة، في مساحات شاسعة من الأراضي السورية، ثمّ إجراء الترتيبات اللوجستية، والتنسيق السياسي مع القوى المجتمعية الداخلية. وإن لم تحصل موسكو على معلومات استخباراتية مباشرة على الأرض، فلابد أن هذه الترتيبات كلّها كانت مرصودة بالأقمار الاصطناعية.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا "باعت" موسكو بشّار الأسد؟... الإجابة أن الأسد هو من باع الجميع أولاً. فقد تعامل مع حلفائه، على قلّة عددهم، بالقطعة، وظنّ أنه بإرضاء كلّ منهم جزئياً، أو في مسألة ما، أو خلال وقت محدّد، سيحافظ على تحالفاته معهم جميعاً، ويستمرّ في تحصيل دعمهم بلا توقّف. ولم يكن يتعامل مع الحلفاء، بمن فيهم إيران وروسيا، بثقة. فقد كان يسمع ولا يستمع، يتلقّى النصائح والاقتراحات، ثمّ ينفّذ شيئاً آخر، أو يتّخذ إجراءات لا تتسق مع تلك النصائح، بل أحياناً معاكسة لها.
وبعد عشر سنوات من التواجد العسكري الروسي المباشر في الأراضي السورية، والحصول على قاعدتَين عسكريتَين هناك، فإن موسكو لم تعد تحصل من دمشق على كثير، بل العكس هو الصحيح، إذ صار نظام بشّار الأسد (بمرور الوقت) عبئاً ثقيلاً على موسكو، خصوصاً على المستوى العملياتي، فحين تدخّلت روسيا عسكرياً في سورية، كانت تتوقّع أنها لن تحتاج لاحقاً سوى إلى إمداد الجيش السوري بالسلاح والخبرات الفنّية، من دون تكرار التدخّل المباشر بقوات روسية. غير أن موسكو فوجئت بعجز الجيش السوري عن الوفاء بمهامّه الأصلية جيشاً نظامياً، حتى في المناطق التي يسيطر عليها النظام. والأكثر مأساوية، هو انتشار الفساد وسط صفوف الجيش وانشغال أفراده بأنشطة تهريب وابتزاز. وبالطبع، لم يكن لدى عناصر الجيش السوري جاهزية ولا إرادة للتدريب على الأسلحة التي قدّمتها موسكو إلى نظام الأسد طوال عشرة أعوام. ومن ثمّ، وجدت روسيا نفسها مطالبةً بالدفاع عن دمشق أمام أيّ خطر جوهري، وفي الوقت نفسه، عليها أن تتحمّل عناد بشّار الأسد وعقليته المتصلّبة، كما حدث حين توسّطت موسكو للتقريب بين دمشق وأنقرة، حيث توقّف المسار بسبب رفض بشّار التفاهم الذي رعته روسيا.
لقد تخلّت موسكو عن بشار الأسد، لأنه أراد دعماً عسكرياً وغطاءً سياسياً وحمايةً أمنيةً من روسيا، من دون مراعاة مصالحها، وإنما بشروطه هو. لقد اغترّ الأسد، ولم يدرك معنى التحالف وأن لكلّ شيء ثمناً مقابلاً، وحاول أن يُرضي حلفاءه ظاهرياً لا عملياً، فلم يُرضِ أحداً.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.