أكذوبة القومية اليهودية

23 يوليو 2018
+ الخط -
أقرّت إسرائيل، قبل أيام، قانوناً يقضي أن تكون الدولة هي الوطن القومي للشعب اليهودي. وينطلق القانون الإسرائيلي من افتراض تخيّلي، أن اليهود يشكلون ""قومية". في القاموس السياسي "القومية" هي اشتراك "قوم"، أي مجموعة من البشر في حزمة خصائص اجتماعية وديمغرافية، تشمل الأرض والتاريخ واللغة والثقافة والعرق والروابط الاجتماعية والمصالح الاقتصادية والسياسية. بالتالي، حصر هوية الدولة الإسرائيلية في يهوديتها، واعتبارها بذلك دولة قومية، ليس سوى خديعة إسرائيلية، تخفي وراءها عملية تديين للدولة، مع تغليفها بمظهر غير ديني.
تتنافى فكرة الدولة النقية كلياً مع فكرة الدولة الوطنية التي يُفترض أن تضم كل من يمكنه ويرغب في الانتماء إليها، مع توفر حدٍّ أدنى من مقومات العيش المشترك. واختزال ذلك الحد الأدنى في اعتناق اليهودية يجعل تلك الدولة دينية بامتياز، وإنْ لم يكن بمعنى الحكم الديني، فاقتصار المواطنة في تلك الدولة على أتباع دينٍ معين، يُفضي بالضرورة إلى سيطرة حصرية لأفكار ذلك الدين وتعاليمه ورجاله. ما سينعكس لاحقاً على توجهات تلك الدولة وسياساتها، فتصير موجهة دينياً، حتى وإن كان نظامها السياسي لا يخضع مباشرةً لسلطة رجال الدين.
معروفٌ أن تخصيص الدولة العبرية وقصرها على اليهود ليس طرحاً جديداً، وكثيراً ما أثيرت بسببه سجالات سياسية ودينية. أحياناً بين الساسة والأحزاب، وأحياناً أخرى بين المُتدينين اليهود أنفسهم، حيث يعترض بعض الأصوليين منهم على إقامة دولة إسرائيل أصلاً، فضلاً عن أن تكون دولة يهودية نقية. استناداً إلى أن تلك الدولة تمثل بداية النهاية للشعب اليهودي، غير أن صعود الأحزاب الدينية في إسرائيل، خلال العقود الثلاثة الماضية بصفة خاصة، جعل فكرة تهويد الدولة تلحّ بقوة على رؤساء الوزراء مدخلا لاسترضاء الأحزاب الدينية، وتأمين أغلبية مناسبة في الكنيست. غير أن تحويل الفكرة إلى واقع لم يكن بالأمر السهل، لعدم توفر البيئة المناسبة، لتمريرها إقليمياً ودولياً. ولم يحدث أن كانت تلك البيئة مُهيأةً، بل مواتيةً أكثر مما هي حالياً. حيث تنعم إسرائيل بدعم أميركي غير محدود وغير مشروط، في ظل إدارةٍ لا تراعي الحسابات السياسية، ولا تحترم القواعد التقليدية التي حكمت إدارة الصراع العربي الإسرائيلي عقودا.
إقليمياً، صارت إسرائيل أكثر قرباً لبعض الدول العربية من دول عربية شقيقة. ولم تعد مبادئ التسوية السلمية وشروط نجاحها قيداً على التطبيع والتقارب مع الدولة اليهودية.
فإذا كانت تلك الدول، الطرف الأصيل في الصراع، قد تخلت عن مواقفها الأساسية التي تعكس مطالبها، وتجسّد جوهر الصراع، فلا غرو أن تنسف إسرائيل، الطرف الآخر، الأسس والمبادئ التي لا حل عادلاً للصراع من دونها، فهي لم تعد مضطرة لقبول أي حل، منصفاً كان أو مجحفاً. وبعد أن كان العرب يحاولون إقناع تل أبيب بقبول المبادرة العربية، ويلحّون على واشنطن لفرضها، في مقابل التطبيع وإقامة سلام مع إسرائيل. صارت المبادرة نسياً منسياً، وأصبح التطبيع هديةً مجانية.
ما يدركه العرب جيداً، وبالطبع الإسرائيليون، أن الشعب الفلسطيني هو الضحية المباشرة لتهويد الدولة العبرية، وتصفية القضية من أركانها الرئيسة (العودة، القدس، الاستيطان، الدولتين). وما لا يدركه العرب أن التهام فلسطين، الأرض والشعب، مقدمة لالتهام بقية الأراضي العربية، والسيطرة على شعوبها. إن لم يكن بالاحتلال المادي المباشر، فبالحكم والتحكّم في مقدرات (ومصائر) الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.
وحيث استغرق التهويد ستة عقود فقط بعد تأسيس الدولة العبرية، فإن التوسّع في المنطقة والسيطرة عليها سيكون أسرع كثيراً وأقل كلفة. ومن لم يمنع الاستيطان ولم يفزع لتهويد القدس، ولم ينتفض لنقل السفارة الأميركية، ولم يعد يعتبر إسرائيل عدواً. بالتأكيد لن يقلقه بالمرة أن تتحول إسرائيل من دولة عنصرية ضمناً، استيطانية فعلاً، إلى دولة يهودية خالصة، عنصرية علناً ورسمياً، لا أرض ولا حق فيها لعرب أو فلسطينيين. وإنما لليهود فقط وحصرياً، بمباركة عربية أميركية مشتركة.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.