هذه الحكومة المصرية

08 يوليو 2024

الحكومة المصرية المعدّلة ورئيسها مع السيسي في القاهرة (2024/ 7/ 3 أسوشييتد برس)

+ الخط -

بعد أكثر من شهر على إعلان تغيير في الحكومة المصرية، كُشِفَت قبل أيّام التشكيلة الوزارية الجديدة المعدّلة. وغُيّر أكثر من ثلثي حاملي الحقائب الوزارية. وفقاً للمُعلَن، هدف التغيير الوزاري تطوير الأداء الحكومي، وتحديث آليات عمل الوزارات، لتخفيف الأعباء والضغوط الحياتية عن المواطنين. وبعد إعلان التشكيلة الوزارية، أضحى السؤال المتداول بين المصريين، بمزيج من الإحباط والغضب: هل ستنجح هذه التشكيلة في تخفيف أعباء الحياة ورفع المعاناة عن الناس؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في معايير اختيار وزراء الحكومة الجديدة، وقد تعدّدت تلك المعايير وتنوّعت، فالوزارات الخدمية ذات الاحتكاك المباشر بالمواطن، مثل التموين والتضامن، غُيّر وزراؤها لامتصاص الاحتقان الشعبي ضدّها، والإيحاء بتطوير أدائها. رغم أنّ الوزراء الجُدد لا يختلفون عن السابقين، وتحديداً من منظور التخصّص والانخراط في تفاصيل عمل الوزارة وآلياته. بينما لم يحدُث تغيير في إحدى أكثر الوزارات الخدمية أهمّية، وزارة الصحّة والسكّان. ويثير تثبيت تلك الحقيبة التساؤل، بل الدهشة، فحاملها دلف إلى الوزارة بشكل استثنائي بعد فضيحة فساد استقالت بسببها الوزيرة السابقة. وفي ظلّ التردّي المُتزايد لقطاع الصحّة والخدمات الطبّية والعلاجية، كان مأمولاً تغيير الوزير لتجديد دماء الوزارة والكوادر العاملة في قطاع الصحّة ككلّ، ولم يحدث هذا. كما جُدّد لوزيرة البيئة رغم عدم حدوث أيّ تحسّن في آليات المنظومة البيئية في مصر أو اشتراطاتها أو مؤسّساتها.
وفي قطاعات ذات طابع فنّي، مثل المالية والطيران، استُعين بكوادر من المستويات القيادية في تلك الوزارات، وكان لافتاً استدعاء وزير سابق للطيران لتولّي حقيبة السياحة والآثار، مع تكليف شخص آخر بوزارة الطيران التي استمرّت منفصلة. كما شهدت الحكومة الجديدة استدعاء وزير سابق آخر، كان وزيراً لقطاع الأعمال، وكلّف بحقيبة الكهرباء. ليصبح تولّي غير المتخصّصين مَلْمَحَاً بارزاً في حكومة مصطفى مدبولي الثانية.
ومن أبرز ملامح حكومة مدبولي الثانية تولية عدة وزارات لمقرّبين، شخصيّاً ومؤسّسيّاً، من رأس السلطة. فكُلّف المستشار الدِيني للرئاسة بوزارة الأوقاف، ومدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي وأمين عام "الحوار الوطني" بوزارة الشؤون النيابية، ورئيسة المجلس القومي للمرأة بوزارة التضامن الاجتماعي. وثلاثتهم، بالإضافة إلى وزير التموين، أعضاء في مجلس إدارة الأكاديمية الوطنية للتدريب، الذي يترأّسه السيسي نفسه. أما وزير الاستثمار فهو عضو مجلس إدارة صندوق مصر السيادي، الذي يترأّسه السيسي أيضاً. جرى تجاهل معيار التخصّص في التغيير الحكومي، وغلبت الخبرة الاقتصادية والتجارية على الاختيارات. فوزراء التموين والزراعة والاستثمار والكهرباء لهم تاريخ من العمل في البنوك، وخصوصاً الاستثمارات وإدارة المشروعات. وهو مُؤشّر واضح إلى الاتجاه نحو السياسات الرأسمالية، واستهداف تعظيم العوائد المالية في عمل تلك الوزارات.
ويؤكّد ذلك التوجّه الاهتمامُ بتوزير ذوي الخبرة في العمل مع جهات خارجية، وخصوصاً الاقتصادية. وهو ما تجسّد في حقائب التعليم والبترول والاستثمار. فضلاً عن استمرار رانيا المشّاط وزيرةً للتعاون الدولي، وتكليفها بحقيبتي التخطيط والتنمية الاقتصادية، التي كانت أبرز وزارات المجموعة الاقتصادية في الحكومة السابقة. أمّا وزارة الصناعة فأضيفت إلى مهام وزير النقل من دون تفسير ولا مبرّر واضح.
معايير تشكيل حكومة مدبولي الثانية بعيدة عن اهتمامات المواطن المصري وهمومه، فبعض تكليفاتها تستهدف الجهات الخارجية، وخصوصاً المُموِِّلة. وبعضها الآخر مُجرّد إبعاد لوجوه قديمة مرفوضة شعبياً، وإحلال وجوه جديدة مشابهة في محلّها. بينما جاء اختيار بعض الوزراء بمعيار الثقة في دائرة المُقرّبين من رأس السلطة. هي حكومة متعدّدة المشارب والمعايير، انسجامها مُستبعد، ونجاحها صعب. وبالتالي، استمرارها طويلاً غير مُتوقّع.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.