مجدل شمس وإنقاذ نتنياهو

29 يوليو 2024

تشييع 10 من ضحايا الهجوم الصاروخي على مجدل شمس في الجولان (28/7/2024 Getty)

+ الخط -

يعلم متابعو الشأن الإسرائيلي وتطوّرات القضية الفلسطينية، بعد اندلاع حرب غزّة خصوصاً، أنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتّحدة، أخيراً، لم تكن عاديّة بالمرّة، فإسرائيل تمرّ بمأزق شديد الصعوبة، ربمّا لم تواجه مثله منذ حرب أكتوبر 1973، إلّا أنّ نتنياهو لم يكن يبحث في الزيارة عن إنهاء مأزق إسرائيل، وإنّما كان همُّه الأساس إيجاد مخرجٍ شخصي له يُجنّبه مُستقبلاً مُظلماً. أمّا الحرب في غزّة، وأزمة الرهائن، والمفاوضات مع حركة حماس، والعمليات العسكرية الوحشية ضدّ المدنيين الفلسطينيين، فليست سوى واجهة مُتعدّدة الطبقات، يتذرّع بها نتنياهو لإبقاء حكومته أطول فترة ممكنة، إلى حين إيجاد مخرج له يُنقذه من السقوط السياسي، وربّما المحاكمة، بعد انتهاء الحرب.
كان ذلك الهاجس الشخصي طاغياً في خطاب نتنياهو ومواقفه، سواء في كلمته أمام الكونغرس أو في لقاءاته مع كبار المسؤولين والساسة الأميركيين، فقد حرص على ترتيب لقاء جمعه، والرئيس الأميركي جو بايدن، مع بعض عائلات الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، لتصدير جزء من المسؤولية السياسية والأخلاقية عن استعادة أبناء تلك العائلات إلى الجانب الأميركي، وكذلك لتوريط بايدن في الالتزام بإتمام مُهمّة الاستعادة التي لم ينجح فيها نتنياهو منذ عشرة أشهر. وبالفعل، أصدر بايدن ونتنياهو وعداً مشتركاً لأهالي المُحتجَزين بالعمل على إعادتهم في أقرب وقت، غير أن تنفيذ الوعد مرهون بشكل جوهري بما سيقبل نتنياهو تقديمه من مرونة غائبة عن مواقفه. وكما يعني إشراكه بايدن في ذلك الوعد توزيعاً للمسؤولية، يعني أيضاً أنّ على نتنياهو توقّع مزيدٍ من الضغوط والحدّة ستغلب على مواقف بايدن المُقبلة، خصوصاً أنّه أصبح خارج السباق الانتخابي، ولم يعد مُقيَّداً بضرورة استرضاء اللوبي اليهودي أو الموالين لإسرائيل في واشنطن، إلا في حدود تجنيب مُرشّحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس أيّ تداعيات سلبية.
وقبل أن يُقلّب نتنياهو بقيّة صفحات زيارته لواشنطن، جاءه من بعيد ما يمكن اعتباره طوق نجاة من الجولان المُحتلّ. فالصاروخ الذي أُطلق على مجدل شمس، وراح ضحيته عدد من المدنيين من بينهم أطفال، فتح أمام نتنياهو باباً واسعاً للهروب من مأزقه الحالي، فهو منذ شهور يتمنّى، بل يسعى لإشعال حرب على أيّ جبهة، فحاول استفزاز مصر بورقة السيطرة على معبر رفح واحتلال محور فيلادلفيا، وجسّ نبضَ إيران غير مرّة، مباشرةً أو عبر هجمات على الحوثيين واصطياد قيادات في حزب الله. ورغم أنّ مصدر الصاروخ الذي أوقع ضحايا في مجدل شمس ليس معروفاً على وجه اليقين، ومحاولات حزب الله لقطع الطريق على هرولة نتنياهو نحو مواجهة مُسلّحة معه، إلّا أنّ نتنياهو سارع إلى تضخيم البعد الإنساني للحادث، والتهديد والوعيد بردّ فعل إسرائيلي قويّ يُكلِّف حزب الله اللبناني "ثمناً غالياً".
رغم أنّ حزب الله نفى بشكل قاطع إطلاقه ذلك الصاروخ، إلّا أنّ حكومة إسرائيل ستحمّله المسؤولية كاملة، وشرعت بالفعل في تحضير الردّ العسكري المُناسب. لكنّ تحقيق أُمنية نتنياهو باندلاع حرب في الجبهة الشمالية مع حزب الله، يظلّ رهناً بتحديد الطرف الذي أطلق الصاروخ، سواء بشكل مُتعمّد أو بالخطأ، وهو ما سيتّضح سريعاً. أمّا النتيجة الأكثر أهمّية لحادث مجدل شمس، فهي منح نتنياهو ذريعةً جديدةً للتسويف والمماطلة في التوصّل إلى اتّفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية. كذلك سيسعى جاهداً لتوظيف الحادث وتصويره دليلاً على ما حاول ترويجه في واشنطن من شعارات، والانتقال من خطاب الاستعطاف إلى لائحة استجلاب لدعم أميركي شامل وغير مشروط.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.