خطة عمل للعام الجديد

03 يناير 2018
+ الخط -
كنت أنظر إلى البلاط النظيف اللامع في عيادة الطبيب، وأهزّ ساقي الممدودة دون الأخرى بتوتر، وأنظر إلى الساعة المعلقة على الجدار المقابل، وأحصي بعقلي الدقائق التي أمضيتها في الانتظار، بسبب عدم دقة مواعيد الطبيب، فيما كانت الممرّضة تنظر نحوي، وتبتسم ابتسامةً لزجة، بمعنى نأسف للتأخير، أو أن مرضانا اعتادوا تأخير الطبيب. وكدت أتذمر كالعادة، وأحدّث نفسي أن العرب لا يهتمون بالوقت. ولذلك، هم يتأخرون دائماَ عن باقي الأمم، وتذكّرت عبارة أبي الراحل، حين كان دائماً يردّد ليؤكد على دقة مواعيده، بقوله: أنا مواعيدي مثل الإنكليز...
كدت أفعل أي شيء مما اعتدت على فعله، ولكني، هذه المرة، أمعنت النظر في البلاط اللامع، وقرّرت أن أضع خطة للعام الجديد، يكون شعارها: افعل كل شيء متى تشاء. ربما حين وصلت إلى هذا القرار، ضحكت من أعماقي، لأنني أواسي نفسي بهذه العبارة، فكلنا مزدحمون بالمواعيد والأرقام والمشكلات. ويمر اليوم تلو اليوم، ولا ننجز كل ما قرّرنا أن نفعله مع بداية كل يوم، فيزداد توتّرنا ونشد على أعصابنا، ونخسر الكثير من راحتنا وأماننا النفسي. وكنت خير مثالٍ على ذلك بالتأكيد، حيث يصفني الجميع بأنني متوتّرة على الدوام، وعلى عجلةٍ من أمري، وكأني سأموت بعد ساعة.
متأملة في البلاط اللامع، أسترجع بعض ما خلص إليه مؤلف كتاب "العقل المنظم"، دانيل ج. ليفيتن، عالِمُ الأعصاب في جامعة مكغيل، أننا نمضي سنواتٍ من حياتنا في الركض واللهاث، خلف التأفف من عدم الإنجاز. وفي النهاية، نحن لا ننجز شيئاً. وهكذا قرّرت أن أنتظر في العيادة، وألا أبدي تأففاً، لأن الطبيب تأخر، وعليّ أن أزجي الوقت بأي شيء، عدا عن العبث بهاتفي النقال. وقد درت بنظري في المكان، فوجدت لافتة صغيرة دوّن فوقها الباسوورد الخاصة بشبكة الإنترنت، لمن لا يملكون اشتراكاً خاصاً بالشبكة على هواتفهم. ولكني أحجمت عن الدخول إلى الشبكة، وهززت رأسي بأن هذه اللافتة وسيلة ذكية لإشغال المرضى عن وقت الانتظار الطويل، لطبيبٍ لا يقدّس الوقت.
عدت إلى تذكّر الوقت، وتذكّر ملاحظة مهمة للمؤلف دانييل، حيث يضيف أن عشرات الدراسات قد أجريت على أشخاصٍ لم ينجزوا شيئاً كبيراً في حياتهم، بسبب تردّدهم في اتخاذ قراراتٍ صغيرة وتافهة، وهم لا يدركون أن عقولهم تكون في حالة عمل طوال الوقت، وبأنهم ينهكون قواهم العقلية في التردّد بين قراءة منشورٍ ما، أو مشاهدة مقطع فيديو، أو حتى اختيار الثياب، ولون أحمر الشفاه، ويضرب مثلاً لتحدّي هذا الخطأ الفادح بمؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرغ، والذي كان يرتدي البنطال والقميص نفسيهما كل يوم، لأنه لم يكن يريد إهدار وقته وقدرات عقله، في اتخاذ قرار تافه، وهو تغيير الثياب واختيار المناسب منها! ولكنه، على الرغم من ظهوره بالملابس نفسها عدة أيام، أصبح من المشاهير، بسبب تأسيسه أكبر موقع تواصل في العالم.
امرأة  وابنتها تجلسان قبالتي وتتهامسان، وتنظران في وجوه مرتادي العيادة، ثم تعاودان الحديث، وقد استنتجت أنهما فضوليتان، فأرسلت ابتسامةً نحوهما فضحكتا، وبدأت حديثاً لطيفاً معهما، ليس على سبيل قضاء الوقت، ولكن عملاً بقاعدة من قواعد حياةٍ قادمةٍ، قد تطول أو تقصر مع بداية العام الجديد، هي أن الأناس الذين نقابلهم على سبيل المصادفة قد يحسّنون من مزاجنا لأيام مقبلة، حتى إن لم يتحقق لنا لقاء آخر. وقرّرت أن أستفيد من هذه القاعدة المهمة، لأن تحسّن المزاج من أهدافي بعد أن تدق ساعة منتصف هذه الليلة، وتعلن انتهاء عام وبداية عام جديد. تنهّدت وأنا أقطع حديثي معهما، وأنتزع بطاقة صغيرة من حقيبتي، وأدوّن عبارة صغيرة فوقها، وفق نصائح المؤلف دانييل، والذي ينصح بالتدوين على هذه البطاقات نوعا من توسعة العقل. وهذا ما يحتاجه كل فردٍ منا، مع غزارة المعلومات وسيلها في هذا الزمن. ولكني فجأة نهضت من مكاني، واتجهت إلى مكتب الممرضة، لأعلن اعتراضي على تأخر الطبيب.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.