زوجتي والنميمة في رمضان

31 مايو 2017

(بهرام حاجو)

+ الخط -
اتفقت مع زوجتي على أن تقلع عن النميمة في شهر رمضان. والحقيقة أنها لا ترى في ما تمارسه من تناقلٍ للأخبار نميمةً مذمومة. وأعترف أمامكم أنني أتابع ما تنقله زوجتي من أخبار خاصة، حين تبدي رأيها، وتدلي بدلوها فيما يصل إليها من معلوماتٍ عن الأقارب والقريبات، فطريقتها محبّبة، وحركات يديها التعبيرية تفوق الوصف والخيال، وتلعب بمشاعري، وتداعب عواطفي حتى أدمنتها، وراقت لي، ولكنني عقدت معها اتفاقية على أن تتوقف عن ذلك خلال شهر رمضان المبارك.
لا أدري متى بدأت أكتشف هواية النميمة لدى زوجتي. ربما لأنها موظفةٌ، ولديها زميلاتٌ. وفي بداية زواجنا، كانت تتتبّع أخبار زميلات الجامعة، وأول حكاية حكتها لي عن زميلتها التي لا تمتلك حظا من الزواج، وتزوجت شاباً يشبه نجوم هوليوود. ثم بدأت تنقل إلي أخبار زميلات العمل، وكنت أحيانا أعترض على ما تقوم به، حتى طلبت مني أن أنقل إليها أخبار زملاء عملي، وكانت إن حدّثتها عن زميلة، ونحن في جلسة غداء، تستشيط غضبا، وتتهمني بأنني معجبٌ بها، وهكذا أغلقت فمي وأفسحت المجال لنميمة زوجتي، فمارست هوايتها، أو عادتها، على أكمل وجه. واكتفيت أنا بالإنصات، أو برفع حاجبي الدهشة، أو زم شفتي، وإطلاق صفير رفيع أو متقطع على حسب أهمية الخبر.
مرّ بنا قطار العمر، وأصبحنا وحيديْن في البيت، وبدأت التفرّغ للعبادة، حين أقبل رمضان أول مرة بدون الأولاد، فطلبت منها أن نعقد اتفاقيةً، وهي عدم النميمة في رمضان، لكي لا نبطل صيامنا، ووافقتني على الفور، وقرّرنا أن نتفرّغ لأعمال أخرى.
اكتشفت أن الصمت أصبح يغلف كل لقاءٍ يجمعني بها، فلا حديث يدور بيننا، ولا أي نقاشٍ أو شجار، فحياتنا عادية وروتينية، وهي تقوم بكل شيء، حتى يحين موعد الإفطار، فتضعه أمامي، وتلقمني طبق القطايف، بعد أن أكون قد حشوت معدتي بكل ما لذّ وطاب. ولكن، يجب أن يكون القطايف مسك الختام، قبل أن أتوجه إلى صلاة التراويح برأسٍ يدور، ومعدةٍ متخمة.
ولكن، على الرغم من ذلك، لم نجد حديثا نتبادله أمام مقاطعة زوجتي النميمة، سوى إبداء الملاحظات بشأن ضرورة قياس معدل السكر في دمي، خصوصا مع إسرافي في تناول القطايف والكنافة على الإفطار والسحور، وكنت أردّ عليها ممتعضا بأنها السبب الأول في إصابتي بالسكر، حيث لا يوجد تاريخ عائلي لهذا المرض لدي، فتصمت وتشيح بوجهها،
حتى جاء ذلك المساء، وقرّرت أن تخرج عن صمتها، فأخبرتني عن حادثةٍ وقعت لجارينا القاطنيْن في الطابق السفلي، وهي حادثة الطلاق، فاستغربت أن يقع الطلاق بينهما بعد ثلاثين عاما من العشرة، فأجابت أن حياتهما، أي الجاريْن، قد أصبحت باردة، وأنهما اكتشفا اختلاف طباعهما منذ بداية زواجهما ولكن الأولاد كانوا العائق الأكبر أمام الانفصال، وحان الوقت لكي يعيش كل واحد بحرية، ومن دون ضغط أعصاب، فضرورة احتمال الآخر الذي يصرّ على عدم تغيير نفسه تولد ضغطا لا يُطاق، ويكفي أن كل واحدٍ قد تحمل الآخر أكثر من ثلاثين عاما، ألا يحق لكل واحد أن يكمل ما تبقى من سنوات قليلة من العمر في راحةٍ نفسية على الأقل.
سرحت فيما قالته عن جارينا، واكتشفت كأنها تحدّثني عني وعنها، فأنا وهي لم يكن يجمعنا، طوال هذه العشرة، سوى النميمة التي تنقلها إلي. ولولاها، لكنا صنميْن في بيت واسع، أو رقع شطرنج تتحرّك بإرادة أولادنا، لأن كل شيء بيننا كان مختلفا، ولكن أحدنا لم يجرؤ على اتخاذ القرار الخطير، وهو الطلاق، بسبب خوفنا من كلام الناس، ولأنه في كل مرة نتفق يكون جنينٌ قد دبّت الروح فيه داخل رحمها.
وقلت لها، بعد أن وضعت طبق الفاكهة أمامي، وخفضت من صوت التلفاز بسبب قطع المسلسل الرمضاني بفاصل إعلاني طويل: ما رأيك أن نعود إليها؟ فنظرتْ إليَّ في تساؤل: ما هي؟ فرددت عليها: النميمة.
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.