07 ابريل 2022
إسرائيل والعصا والجزرة مع السلطة
يأتي الإعلان الإسرائيلي عن الخطة السياسية الجديدة لوزير الجيش، أفيغدور ليبرمان، والمسماة سياسة العصا والجزرة، تعبيراً إسرائيلياً رسمياً وواضحاً عن نهاية العملية السياسية بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهي العملية المنتهية أصلاً. وكانت قد بدأت في اتفاقية "إعلان المبادئ" (أوسلو) قبل أكثر من عقدين، من دون أن تؤدي إلى نهاية الاحتلال الإسرائيلي، لا بل أدت إلى تعميقه، وتدعيم الاستيطان في الضفة الغربية، وفصل تام لقطاع غزة، وعزل مدينة القدس عن محيطها الجغرافي والسكاني، والبدء في مرحلة التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين فيها. إلا أن طرح الوزير ليبرمان هذه السياسة الجديدة يعكس قراءة إسرائيلية أن السلطة والفصائل، والمجتمع الفلسطيني عموماً، فقدوا قدرتهم ومناعتهم الوطنية الداخلية على مواجهة هذه السياسات. وبالتالي، من الممكن أن يتم تمريرها، وخصوصاً فيما يتعلق بإيجاد عناوين فلسطينية، سيتم الحديث معها مباشرةً حول قضايا المواطنين الحياتية اليومية، متجاوزة إسرائيل بذلك السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها ذات الشأن.
من ناحية فعلية، بدأت إسرائيل تنفيذ سياستها هذه منذ سنوات، والإعلان الإسرائيلي عنها في هذا التوقيت يرسل عدة رسائل، أهمها، وهي الأولى، والموجهة إلى السلطة الفلسطينية، إنكم لم تعودوا بالنسبة لإسرائيل العنوان الوحيد للتعامل معه، نيابة عن المواطن والمجتمع الفلسطينيين، وهذا يتم فهمه على أنه تعبير عن ثقافة غرور الاحتلال العسكري وعنجهيته، والذي تحاول فيه قوة الاحتلال فرض ممثلي الشعب الذي يقع تحت احتلاله، اعتقادا منه أنه قادر على تحقيق ذلك، وأنه تم كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومعنوياته، وأنهم وصلوا إلى مرحلة الهزيمة التي يمكن أن تقبل ما يفرضها الاحتلال، حتى في اختيار عناوينه وممثليه. وبالتالي، تعتقد إسرائيل أنها ستتمكن من القضاء على ما تبقى من شرعيات لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية، كجزء من سياسة ممنهجة لإنهاء أي بعد سياسي للقضية الفلسطينية، وحصرها في القضايا الحياتية اليومية، وخصوصاً في قضايا الصحة والتعليم والملبس والمأكل، ضمن سياسة استغلال الوضع الفلسطيني والعربي والدولي الحالي، وكأن الشعب الفلسطيني وصل إلى مرحلةٍ لا يعنيه فيها سوى الأكل والشرب.
من غير المستبعد أن يجد وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، فلسطينيين يقبلون الحديث
معه، ومع جيشه، حول متابعة القضايا الحياتية، خصوصاً أن هذه الاتصالات لم تتوقف، طوال مرحلة الاحتلال، مع مجموعات من الفلسطينيين، سواء من رجال أعمال ترتبط مصالحهم التجارية مع إسرائيل في كل التفاصيل، ومع بعض بقايا المخاتير والشخصيات هنا وهناك. ولا بد من الإشارة إلى أنه كان في وسع السلطة أن تضبط هذه القنوات والاتصالات، لكنها لم تفعل ذلك، اعتقادا منها أنها لا تشكل خطراً عليها وعلى بقائها. أما الآن، وبعد أن تحدث ليبرمان بوضوح إن السلطة لم تعد هي العنوان، وإن الاتصالات المقبلة ستكون مع عناوين أخرى، فأصبحت السلطة مضطرةً إلى أن تعيد النظر في مجمل هذه الاتصالات، بعد أن أصبحت تشكل خطراً عليها، وعلى مستقبلها.
لم تكن هذه السياسة المحاولة الأولى في إيجاد ممثل للشعب الفلسطيني، فقد جرّبها ومارسها رئيس الحكومة الأسبق، مناحيم بيغن، ووزير جيشه آنذاك إرئيل شارون، عندما قام بتشكيل روابط القرى، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، والتي أرادت إسرائيل، في حينه، تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، وخصوصاً إيجاد قيادة بديلة عن منظمة التحرير، وضرب وحدة الشعب الفلسطيني بإثارة نعرات قديمة مرتبطة بتشكيلة المجتمع الفلسطيني، جغرافياً وعائلياً، مقدمة لقبوله الشروط الإسرائيلية، لكن الشعب الفلسطيني، بوعيه وتمسكه بوحدته وبقضيته، تمكّن من إفشال مشروع روابط القرى، وكانت من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الأولى، رداً على سياسات إسرائيل، ومن ضمنها روابط القرى، حيث اكتشفت إسرائيل أنها أخطأت حساباتها. وقد تجلى ذلك بوضوح عندما قال القائد العسكري الإسرائيلي، بنيامين بن أليعازر، في حينه، بشأن روابط القرى وسحب أسلحتهم، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إنه يخطئ من يعتقد أن مجموعة من العملاء الفلسطينيين الذين خانوا شعبهم يمكن أن يقدموا فائدة سياسية أو أمنية لإسرائيل.
تتضمن خطة ليبرمان الجديدة تمييزاً واضحاً بين المدن والقرى الفلسطينية، ففي وقت سيتم حسب الخطة بتمييز التجمعات الفلسطينية التي لا ينطلق منها منفذو العمليات ضد الأهداف العسكرية والاستيطانية باللون الأخضر، ومكافأتها بمشاريع اقتصادية، وفي البنية التحتية، كبناء ملاعب وإعطاء رخص بناء جديدة وغيرها من الفتات. ومن جهةٍ أخرى، معاقبة المدن
والبلدات والقرى التي ينطلق منها مقاومون، والتي تم تمييزها باللون الأحمر، مثل سحب تصاريح العمل وزيادة عمليات الاقتحام العسكري وفرض مزيد من العقوبات الجماعية عليها من هدم للمنازل، وزيادة في الاعتقالات وإغلاق مداخلها بالحواجز والكتل الإسمنتية، وغيرها من العقوبات الجماعية. ولكن العقلية والثقافة الفلسطينية تؤكد أن شعباً رفض (وأفشل) كل هذه السياسات التي تم تجريبها في الماضي سيتمكّن من إفشال هذه السياسة الجديدة، وإن بعض البلدات التي سيعتبرها ليبرمان تجمعاتٍ هادئة ذات اللون الأخضر سرعان ما سيؤدي ذلك إلى ردة فعل عكسية، وخروج مقاومين منها، لتنفيذ عملياتٍ ضد الاحتلال، لتتحوّل في خطة ليبرمان إلى اللون الأحمر، رسالة واضحةً، أن شعبنا واحد موحد في كل قراه ومدنه ومخيماته، في رفضه الاحتلال وسياساته العنصرية التمييزية.
سواء أراد الاحتلال من الإعلان عن هذه السياسة أن يوصل رسالة إلى السلطة، وقيادتها ومؤسساتها الأمنية والمدنية، إنه في حال رفض السلطة الشروط الإسرائيلية، والاستمرار في المطالبة بحل سياسي، أن تتحول إلى روابط قرى جديدة، ولا تتحدّث إلا في القضايا الحياتية التي تصب في مصلحة الاحتلال وتكريسه، فإن إسرائيل ستوقف علاقتها معها، والبدائل موجودة وجاهزة، وإنه لا قدرة للسلطة على منعها ومواجهتها. حينها سيرفض الشعب الفلسطيني هذا المشروع ويواجهه، ما سيؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة، خصوصاً أن حالة الاحتقان والغضب في المجتمع الفلسطيني تزداد يوماً بعد يوم، والانتفاضة الفلسطينية العظيمة الأولى، في نهاية الثمانينيات، أكبر دليل على ذلك، وكان كاتب هذه السطور من شبانها ومن قيادتها.
من ناحية فعلية، بدأت إسرائيل تنفيذ سياستها هذه منذ سنوات، والإعلان الإسرائيلي عنها في هذا التوقيت يرسل عدة رسائل، أهمها، وهي الأولى، والموجهة إلى السلطة الفلسطينية، إنكم لم تعودوا بالنسبة لإسرائيل العنوان الوحيد للتعامل معه، نيابة عن المواطن والمجتمع الفلسطينيين، وهذا يتم فهمه على أنه تعبير عن ثقافة غرور الاحتلال العسكري وعنجهيته، والذي تحاول فيه قوة الاحتلال فرض ممثلي الشعب الذي يقع تحت احتلاله، اعتقادا منه أنه قادر على تحقيق ذلك، وأنه تم كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومعنوياته، وأنهم وصلوا إلى مرحلة الهزيمة التي يمكن أن تقبل ما يفرضها الاحتلال، حتى في اختيار عناوينه وممثليه. وبالتالي، تعتقد إسرائيل أنها ستتمكن من القضاء على ما تبقى من شرعيات لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية، كجزء من سياسة ممنهجة لإنهاء أي بعد سياسي للقضية الفلسطينية، وحصرها في القضايا الحياتية اليومية، وخصوصاً في قضايا الصحة والتعليم والملبس والمأكل، ضمن سياسة استغلال الوضع الفلسطيني والعربي والدولي الحالي، وكأن الشعب الفلسطيني وصل إلى مرحلةٍ لا يعنيه فيها سوى الأكل والشرب.
من غير المستبعد أن يجد وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، فلسطينيين يقبلون الحديث
لم تكن هذه السياسة المحاولة الأولى في إيجاد ممثل للشعب الفلسطيني، فقد جرّبها ومارسها رئيس الحكومة الأسبق، مناحيم بيغن، ووزير جيشه آنذاك إرئيل شارون، عندما قام بتشكيل روابط القرى، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، والتي أرادت إسرائيل، في حينه، تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، وخصوصاً إيجاد قيادة بديلة عن منظمة التحرير، وضرب وحدة الشعب الفلسطيني بإثارة نعرات قديمة مرتبطة بتشكيلة المجتمع الفلسطيني، جغرافياً وعائلياً، مقدمة لقبوله الشروط الإسرائيلية، لكن الشعب الفلسطيني، بوعيه وتمسكه بوحدته وبقضيته، تمكّن من إفشال مشروع روابط القرى، وكانت من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الأولى، رداً على سياسات إسرائيل، ومن ضمنها روابط القرى، حيث اكتشفت إسرائيل أنها أخطأت حساباتها. وقد تجلى ذلك بوضوح عندما قال القائد العسكري الإسرائيلي، بنيامين بن أليعازر، في حينه، بشأن روابط القرى وسحب أسلحتهم، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إنه يخطئ من يعتقد أن مجموعة من العملاء الفلسطينيين الذين خانوا شعبهم يمكن أن يقدموا فائدة سياسية أو أمنية لإسرائيل.
تتضمن خطة ليبرمان الجديدة تمييزاً واضحاً بين المدن والقرى الفلسطينية، ففي وقت سيتم حسب الخطة بتمييز التجمعات الفلسطينية التي لا ينطلق منها منفذو العمليات ضد الأهداف العسكرية والاستيطانية باللون الأخضر، ومكافأتها بمشاريع اقتصادية، وفي البنية التحتية، كبناء ملاعب وإعطاء رخص بناء جديدة وغيرها من الفتات. ومن جهةٍ أخرى، معاقبة المدن
سواء أراد الاحتلال من الإعلان عن هذه السياسة أن يوصل رسالة إلى السلطة، وقيادتها ومؤسساتها الأمنية والمدنية، إنه في حال رفض السلطة الشروط الإسرائيلية، والاستمرار في المطالبة بحل سياسي، أن تتحول إلى روابط قرى جديدة، ولا تتحدّث إلا في القضايا الحياتية التي تصب في مصلحة الاحتلال وتكريسه، فإن إسرائيل ستوقف علاقتها معها، والبدائل موجودة وجاهزة، وإنه لا قدرة للسلطة على منعها ومواجهتها. حينها سيرفض الشعب الفلسطيني هذا المشروع ويواجهه، ما سيؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة، خصوصاً أن حالة الاحتقان والغضب في المجتمع الفلسطيني تزداد يوماً بعد يوم، والانتفاضة الفلسطينية العظيمة الأولى، في نهاية الثمانينيات، أكبر دليل على ذلك، وكان كاتب هذه السطور من شبانها ومن قيادتها.