العشق الممنوع

20 يناير 2016

لوحة "تفاحة الجاز" للفنان الكندي جيل مايرز (Getty)

+ الخط -

كانت تطرق برأسها، وتنظر إلى خطوط السجادة تحت قدميها، وكأنها تبحث عن نقطةٍ تبدأ منها حديثها لي، وبعد أن تحدثت، حين حثثتها مراراً أن "تفضفض"، اكتشفت أنها جاءت لتطرح عليّ مشكلتين، لا مشكلة، وأنها تذكّرتني فجأةً في غمرة مشكلاتها، واعتقدت أنني بلا مشكلات، أو ربما اعتقدت أن جهلها يمنعها من التفكير السليم لحل مشكلاتها، فهي تركت المدرسة منذ المرحلة الابتدائية، لتتزوج قبل أن تكمل عامها الخامس عشر، وكنا زميلتين بلا صداقة في صف واحد، وقد وصلت إلى بيتي بعد جهد، وجاءت تطلب مساعدتي، لأنها حسب قولها: "القريب تخلى عني قبل الغريب....".

مثل كل اللواتي تورطن بتعدد الإنجاب من أجل مولود ذكر، يحمل اسم العائلة ويرفع من شأنها، وهي قد أنجبت أربع بنات متتاليات، وحين جاء الولد الأول، حثّها زوجها على الإنجاب سادساً وسابعاً وثامناً، لأنه يرى، حسب اعتقاده، أن "باب الأولاد قد فتح". وهكذا أصبحت أماً لأربع بنات وأربعة ذكور. وكان زوجها عامل بناء، وسارت الحياة في بيت العائلة الكبير، حتى قرر الابن أن ينفصل عن البيت، فابتاع بيتاً صغيراً من غرفتين، سرعان ما ضاق بالأولاد حين كبروا. واحتل الذكور الباحة الصغيرة، فيما تكوّمت البنات الأربع في غرفة صغيرة. وهكذا استقر بهم الحال، مع فارق جديد، وهو فقدان الأب عمله بعد حصار غزة، وبدأت الحياة المتعثرة تعرف طريقها إليهم، مع مساعدات متقطعة من وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية.

 طلبت مني أن أساعدها في أن يطرق الخطّاب باب بيتها، فلديها أربع بنات في سن الزواج، أكبرهن خريجة في أواخر العشرينيات، وقدمت تسهيلات وتنازلات بخصوص الخاطب الذي تأمل، فالأهم أن يملك قوت يومه، وسقفاً يؤوي ابنتها، ولا يهم أن يكون متعلماً أو حاصلاً على شهادة، مع أن بناتها الأربع خريجات وطالبات جامعيات.

قالت لي: أريد أن أخفف الحمل عن زوجي، فهو يشعر بالقهر والحزن على الدوام، وأنا أحاول أن أرتق العيش من كل جهة، وأخفي ندوب الفقر أمام الناس بكل وسيلة، ولكني أتألم، لأنه يقضي وقته سارحاً وساهماً أمام "كومة العيال"، ولا مصدر رزق في البيت الضيق.

لم تمنحني الفرصة لأرد، حين أردفت بحزن أكبر، وهي تقول: تخيلي بعد هذا كله، اكتشفت أن زوجي تعرف بفتاة عن طريق الهاتف، وأصبح الهاتف لا يفارق يده، فهي ترسل له رسائل تفيض بكلمات الغرام والعشق، وقرأت رسالةً كتبها لها بأخطاء إملائية كثيرة، يصفني فيها بأني "لا أبادله المشاعر"، ولا أعتني بزينتي، ولا أرتدي ملابس ساخنة، حين يجمعنا الفراش. صعقت، يا صديقتي، حين قرأت الرسالة، فكيف أبادله المشاعر، وأنا التي تحمل كل الهموم، والمسؤولية، وأنا التي تدور بالبطاقة العائلية على المؤسسات، طلباً للمعونات، وأريق ماء وجهي هنا وهناك، من أجل أن يبقى هو في البيت، يشاهد التلفاز ويدير قنواته على الأفلام والمسلسلات، ويتحدّث عبر هاتفه النقال بالساعات مع فتاة في عمر بناته.

علمت منها أن فتاة زوجها قدّمت له عرضاً بأن يتزوجها في مقابل أن تمنحه بيتاً من طابقين، وتفتح له مشروعاً تجارياً صغيراً، وقد قبلت أن تكون زوجة ثانية له، وهو يفكّر بعرضها جاداً، وصديقتي على وشك الجنون، لأن زوجها، من وجهة نظرها، خانها، وأنكر التضحيات التي تقدمها.

الحب الذي يبحث عنه زوجها، بعد أن قارب الخمسين، لا يولد بين الجدران المشققة، ولا السقف الذي تتسرّب منه مياه الأمطار، ولا أواني المطبخ المتصدعة، ولا حصير الأرضية المتآكل، ولا الصابون البلدي عديم الرائحة. الحب الذي يبحث عنه الزوج، منحته له صديقتي بطريقتها، برضاها وصبرها وقناعتها، وتضحيتها حتى بمستقبل بناتها، وهو يريده بطريقة أخرى. يريد كلمات الغزل الرخيصة والملابس المثيرة، مع هذه الفتاة التي ظهرت في حياته فجأة، في اتصال بدأ بمكالمة خاطئة عبر الهاتف.

دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.