السيسي ديكتاتوراً فاشلاً

20 اغسطس 2015
+ الخط -
مهدت الجوقة الإعلامية والدينية المصرية المرتبطة بالعسكر، والتي تتميز بقدرتها السريعة على نقل أدوات تهليلها بين حاكم وآخر، الطريق أمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لإعلان نفسه حاكماً مطلقاً. ولم ينتظر هو نفسه طويلاً، منذ اعتلى سدة الحكم، حتى بدأ يخضب أرض تلك الطريق بدماء أبناء شعبه المعارضين لحكمه، كي يستحق بجدارة لقب ديكتاتور، يَعرف أنه، لا يمكن له أن يتكرس إلا كما تكرس من سبقه من ديكتاتوريات، بتحقيق انتصارات على أبناء شعوبهم. وإن كانت مجموعة الإجراءات والممارسات القمعية التي اتخذها السيسي تكرسه ديكتاتوراً ناجحاً، فإن الإجراءات الاقتصادية، وغياب الإنجازات على هذا الصعيد، تكرسه فاشلاً في إدارة شؤون البلاد وتلبية حاجات أهلها المعيشية. 
ولكن، أن يكون الديكتاتور ناجحاً أو فاشلاً، فهي حالة تحمل تناقضين، تبين في عصرنا الحديث إمكانية ردم ما بينهما. فقد يكون الديكتاتور ناجحاً في تسييد حكمه، لكنه يفشل، في الوقت عينه، في تحقيق نجاحات اقتصادية أو اجتماعية، أقل ما يمكن القول عنها إن بلاده كانت سائرة في طريق التطور الطبيعي للوصول إليها. فقد رأينا ديكتاتوريات، أو طغماً حاكمة، سارت بتطور بلادها إلى الأمام، منها من أدخل بلاده الحداثة عبر الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وتبني أساليبه الإنتاجية، وفتح المجال أمام إقامة المشاريع، وتلقي الاستثمارات والسماح للبنوك وشركات التأمين والمتاجر العالمية الكبرى بالعمل فيها. كما أنه أتاح هامشاً معقولاً للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وسوق الإنترنت. مع ملاحظة بقاء خيوط التحكم ونسبة كبيرة من عوائد المشاريع في يديه، أو أيدي طغمته، وهو أمر لا يمنع، في النهاية، من تحقيق نسب تنمية قد تبدو أحياناً معتبرة.

هذه الأيام، وكما كل يوم، يصدر السيسي قرارات لا يمكن أن يقال عنها سوى أنها تصب في مسعى تعزيز سلطته، كان منها إصداره، يوم 28 يوليو/تموز الماضي، قراره الجمهوري الذي ألغى بموجبه قراراً جمهورياً، أصدره سلفه عدلي منصور، والذي قضى يومها بتعديل بعض قوانين المحكمة الدستورية العليا، من أجل تحصين مجلس النواب ضد الحل. إن مرده لإلغائه، كمرد كل مستبد لا يتطلع إلى البرلمان سوى بعين الريبة، فقرر التحكم ببرلمان بلاده. وهي خطوة فيها خوف من تجرؤ هذا البرلمان على محاولة كشف فشله يوماً، فرهن مصيره بجرة قلمه، ووضعه تحت رحمة سلطته، يحله متى شاء. وهي طريقة غير مباشرة لإسكاته، وخطوة رئيسية لتركيز السلطات بيده.
وليس عجيباً أن من جاء إلى الحكم عبر انقلاب على رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، سيصدر قانوناً يعزز سلطته بحجة محاربة الإرهاب، تلك العبارة المطاطة. فجاء إصدار السيسي قانون الإرهاب يوم 16 من الشهر الجاري، وفي ذكرى فض اعتصام رابعة، دليلاً على أن مرحلة من إحكام القبضة الأمنية ستظلل حياة المصريين فترة لا يعرف أمدها، وسيشهد فيها المصريون قمعاً يفوق فترة ما قبل إصداره، والتي تميزت بمجازر بحق المتظاهرين والمحتجين. وبأحكام سجن صحفيين ومحامين ومعارضين، لأسباب واهية، وأحكام إعدام جماعية أشبه ما تكون بالمجازر. كان ذلك قبل قانون الإرهاب هذا، فكيف سيكون الحال بعده؟ سيتيح هذا القانون للسيسي زج الجيش الذي وقف على الحياد في ثورة يناير 2011 جنباً إلى جنب مع الشرطة والمخابرات والقضاء في المعركة المزعومة لمواجهة الإرهاب. والمرجح أن شكل محاربة الإرهاب في سيناء، الذي يتخذ مسار تدمير القرى والمنازل وتشريد أهلها وقتل المدنيين فيها وتجريف الأراضي الزراعية، في حين يلوذ الإرهابيون الحقيقيون بالفرار، هو الشكل الذي يمكن أن يُطبق في مناطق مصرية أخرى، إذا استشعر النظام بوادر معارضة فيها.
وإن كانت دلائل تحول السيسي إلى ديكتاتور واضحة، فإن إنجازاته الاقتصادية غير واضحة، وليست ملموسة، إذ فضل إخفاءها عن العيون لكي (لا يحسدهم الأشرار). لكننا لن نقف عند كلامه، وسنحاول البحث والتقصي عنها لإيجادها، ولو كلفنا ذلك تصنيفنا من أولئك الأشرار الذين تكلم عنهم. وسنفعل ذلك لمعرفة حجم هذه الإنجازات، وكيفية انعكاسها على معيشة المواطن، المعتبر هدفاً لكل عملية اقتصادية أو تنموية.
يثير عجبك أن السيسي الذي تعمد افتتاحاً اسطورياً لتفريعة من قناة السويس، وضخم جهازه الإعلامي عوائدها المالية المتوقعة، لا يحبذ الكشف عن إنجازات اقتصادية أخرى. انعكست الإنجازات الاقتصادية في عهده على الأغنياء، وأهم انعكاس لها جاء بإجراء تخفيض الضرائب عنهم، بموجب قرار إلغاء ضريبة الدخل التصاعدية في مارس/آذار الماضي، وتثبيتها على سقف 22,5%. وانعكست عبر استراتيجية تخفيض الدعم عن السلع الأساسية، وتبدّى أحد أشكالها في قرار مجلس الوزراء المصري بزيادة أسعار الكهرباء المخصصة للاستهلاك المنزلي، بقيمة 19%. وعلى الرغم من تلقي حكومة السيسي مساعدات تقدر بالمليارات من الخارج، فإن الاستقرار الاقتصادي الذي وعدت به لم يتحقق. واستمر مسلسل ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية لدى معظم المصريين. وفرضت أزمة الكهرباء حضورها في فصل الحر، وانعكست معاناة على حياة الفقراء الذين ما زالوا يشكلون طوابير على الأفران، ومراكز بيع قوارير الغاز، وعلى محطات الوقود. وذلك كله مع تبخر الوعود بتطبيق برنامج الإنقاذ الاقتصادي، وغياب أخبار المشاريع العملاقة عن التداول.
تقول التجارب إن سوء الإدارة في حكم البلدان لا ينقلب إلى نقيضه، أو يتمخض عنه نجاح ما بقدر ما يتجذر أكثر ويجر إلى سوء أعظم منه، تضطر معه الطغمة الحاكمة إلى التماهي في حالتها القمعية، أكثر فأكثر، لإسكات أصوات تشير إلى عجزها. ومن هنا، ستدفع سياسات السيسي القمعية لمعالجة ما تعانيه مصر من أمراض، ولتثبيت حكمه، ستدفع البلاد، لا محالة، إلى حالة أسوأ مما كانت عليها عندما انتفض الشعب على حكم حسني مبارك عام 2011.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.