وكلاء إسرائيل يشنون حربها على المقاطعة

20 يوليو 2015

مشهد مدني في أوروبا يخيف إسرائيل (Getty)

+ الخط -
لا بد أنها في ورطة. نعم إنها في ورطة، جعلتها توكل إلى آخرين مهمة الدفاع عنها، وسمحت لهم باختيار طريقة الهجوم، ليتأكد، والحال هذه، أنها اتخذت استراتيجية للخروج من الورطة التي وضعتها فيها "الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل"، المعروفة عالمياً باختصار BDS. وهذه الحركة التي لم يتخيل أحد، حين أطلقت منذ عشرة أعوام، أنها ستصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من تنظيم المقاطعة ضد الكيان الصهيوني، أو تحصل على احترام أناس وقطاعات واسعة حول العالم، وتضمهم للمشاركة في جهودها، فتؤثر في هذا الكيان بإذاقته ألماً، أجبره على حشد رؤساء وزارة ووزراء خارجية سابقين ومرشحين رئاسيين حاليين وغيرهم، كي يسيء إلى هذه الحركة، في مرحلة أولى في طريق إضعافها ثم وقفها.
ولمعرفة ما يؤلم إسرائيل جراء حملات المقاطعة التي انتشرت على مستوى العالم، ولوقف تشكيك، أو عدم يقين عرب ومسلمين كثيرين بجدوى هذه المقاطعة، لنا فحسب أن نطَّلع على تقرير صدر بداية شهر يوليو/تموز الجاري عن وزارة المالية الإسرائيلية، أفاد بأن مقاطعة عالمية مستمرة لإسرائيل سوف تكلف اقتصادها 10.5 مليارات دولار أميركي سنوياً، علاوة على فقدان آلاف الإسرائيليين وظائفهم. كما يمكننا، وكمثال لحالة التخبط التي وضعت المقاطعة الإسرائيليين فيها، إيراد ما قاله أحد المسؤولين الإسرائيليين، حين طالب منذ أيام على شاشة إحدى الفضائيات بتدمير ما سماه "وحش المقاطعة"، ثم أردف، في خضم صراعه الداخلي، أن الاقتصاد الإسرائيلي أقوى من أن تؤثر فيه حملة ضعيفة كهذه.

ويعتبر أقرب شبه للمقاطعة هو كرة الثلج التي بدأت منذ عشر سنوات، وأخذت تكبر، ثم تكبر، بانضمام أشخاص ومؤسسات وجمعيات من هذا البلد أو ذاك، حتى صارت كتلة إنجازات هائلة الحجم، تحدث لدى تدحرجها هديراً أقلق الإسرائيليين في نومهم ويقظتهم. ومنذ تأسيسها، سعت الحركة، سلمية التكوين، كي تصبح عالمية الوجود، وتجتذب إلى نشاطاتها كل من يرى أن إسرائيل ما زالت متعنتة في رفض حقوق الشعب الفلسطيني. ومن أجل دفع إسرائيل إلى الرضوخ للقرارات الدولية القاضية بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والحكم الذاتي، وبحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، كان لا بد لقوى مدنية فلسطينية من العمل على تأسيس حركة عالمية لكشف جرائم المحتل الإسرائيلي وعنصريته، ووقف التطبيع مع حكومته، ومقاطعة الشركات الداعمة لها. وقد ارتكزت حملة المقاطعة على ركائز أساسية ثلاث، تتمثل في مقاطعة الشركات الإسرائيلية والشركات العالمية الداعمة لإسرائيل (Boycott)، إضافة إلى أشكال أخرى من المقاطعة، كالمقاطعة الأكاديمية التي كان لها أثر كبير في نشر هذه الثقافة بين الأكاديميين والطلاب، في جامعات ومراكز أبحاث عديدة حول العالم. كما تنادي الحركة بسحب الاستثمارات من الكيان الصهيوني (Divestment)، ووقف تمويل الشركات الإسرائيلية والشركات الدولية العاملة في الكيان. أما الركيزة الثالثة فتتركز حول العقوبات (Sanctions)، وأهمية السعي إلى فرضها على إسرائيل، لإجبارها على إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.
وهكذا، والحال هذه في توسع الحملة واجتذابها قطاعات واسعة من الشركات والأفراد والجامعات، وتبنيها من آخرين، لم يكن يتخيل أحد أنهم سيقفون يوماً إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني، عمدت إسرائيل إلى الهجوم على الحملة، بطريقة غير مباشرة، فجنّدت لذلك وكلاء لها، رموزاً لطالما كانت في صف الدفاع عنها، وتنتظر إشارة ما كي تنبري إلى عملها. فها هو رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسيه ماريا أزنار، يطل من جحره من جديد، ليفعل ما اعتاد أن يفعله في الدفاع عن الكيان الإسرائيلي، والتباكي على ما أوصلت إليه، وما يمكن أن توصله إليه، حملة المقاطعة. فقد قال في لقاء مع صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أواسط يونيو/حزيران الماضي "أعتقد أن حملة المقاطعة غير عادلة، وهي حركة تمييزية قائمة على الكيل الأخلاقي بمكيالين، وهي، حسب تحليلات جرت، أخيراً، تعتبر معادية للسامية". ثم أضاف: "في الحقيقة، ما تريده حملة المقاطعة هو جعل الحياة في إسرائيل لا تطاق، وبالتالي، لن يكون في وسع الأمة اليهودية أن تخلق لنفسها وجوداً طبيعياً في دولتها". ولاقت هذه التصريحات تهكماً لدى الجمهور الإسباني، واعتبرها كثيرون تزلفاً رخيصاً لإسرائيل. وليس مستغرباً صدور تصريحات كهذه عن أزنار، كونه معروفا بمواقفه المؤيدة لإسرائيل؛ حيث كان أبرز ما صرح به في هذا المضمار ما عنون به مقالاً له نشره في جريدة التايمز البريطانية في 17 يونيو/حزيران 2010: "ادعموا إسرائيل؛ لأنها إذا انهارت انهار الغرب". وقد وصل به الرياء أنه كتب في المقال أن الدفاع عن إسرائيل يحتاج إلى درجة من الوضوح الأخلاقي التي يبدو أنها اختفت من الغرب، حتى إنه تهجم على أميركا لتقصيرها في هذا المجال، بسبب علامات مثيرة للقلق أظهرتها حينها.
وحشدت إسرائيل لمهاجمة الحملة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، بصفتها الحالية مرشحة للرئاسة الأميركية. وفي إشارة تدل على مدى تعمق تأثير حملة المقاطعة على إسرائيل، تعهدت كلينتون، في رسالة بعثتها، في الثاني من يوليو/تموز الجاري، إلى ملياردير يهودي أميركي، يعتبر واحداً من أهم المتبرعين لحملتها الانتخابية بمواجهة المقاطعة، طالبة نصيحته في كيفية جعل محاربة المقاطعة أولوية.
أن تصبح مواجهة المقاطعة موضوعاً مركزياً في حملة مرشح للرئاسة الأميركية، دليل على المكانة التي وصلت إليها هذه الحركة على الصعيد الدولي، وتأثيرها الاقتصادي والمعنوي. كما أنه دليل على عمق المأزق الذي وضعت فيه إسرائيل، فاضطرت إلى تجنيد مدافعين من هذا المستوى. لكن محاربة المقاطعة عملية شاقة، تأتي صعوبتها من أن المهاجمين يواجهون كياناً غير مرئي، كياناً تبدى في كل شخص وفي كل بيت وعائلة وجامعة وشركة تجارية تبنت هذه الفكرة.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.