هل "العدالة والتنمية" التركي من "الإسلام السياسي"؟

13 يونيو 2015

زعيم "العدالة والتنمية" داود أوغلو يخطب بأنصاره (6 يونيو/2015/الأناضول)

+ الخط -
نشرت "العربي الجديد" في 10/6/2015 مقالاً مهماً للباحث السوري، سمير سعيفان، بعنوان "نموذجان في السلطة من الإسلام السياسي"، قارن فيه بين نموذجي السلطة في كل من تركيا وإيران، وجاء فيه "ينتصب أمامنا نموذجان متقابلان للإسلام السياسي، التركي والفارسي. اختط الأول لنفسه نهجاً عصرياً، فاتبع قواعد اللعبة الديمقراطية المعاصرة التي تحترم إرادة الناس، وتحتكم إلى صناديق الاقتراع، وحافظ على قواعدها وتمسك بها، فحافظ على الحريات العامة، ونشاط قوى المعارضة (...) النموذج الثاني من الإسلام السياسي الحاكم هو الفارسي، الذي طبق نموذجاً قروسطياً بعيداً عن روح العصر، فصادر إرادة الناس وكمم أفواههم، وزور إرادتهم، وقمع المعارضة بالنار، ويتهم أي رأي معارض بأنه "مؤامرة"، ويقمع أية حقوق قومية لشعوب إيران المتعددة، ومنها العرب بملايينهم، ويستخدم القوة الصلبة لتحقيق مآربه...". 
أتفق تماماً مع سعيفان في كل مقاله، بما في ذلك التفاصيل المتعلقة بأداء كل من النظامين، ولاسيما الخاصة باحترام النظام التركي الذي يطبق "علمانية راديكالية، قطعت بين الدين والسياسة"، ويلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية، غير أن ما أثار انتباهي تكرار الكاتب مصطلح "الإسلام السياسي"، كلما أشار إلى النظام التركي، مميزاً إياه عن "الإسلام السياسي" الذي تنتهجه إيران. السؤال: هل من حكم تركيا خلال 13 سنة الماضية، وسيواصل قيادة حكمها حتى الانتخابات المقبلة على الأقل، "إسلام سياسي"؟ وهل يمكن الحديث عن إسلام سياسي يطبق "علمانية راديكالية"؟

كنت أتمنى ذلك، لكن الوثائق الصادرة عن الأحزاب والحركات التي تصنف في خانة الإسلام السياسي، وأداء بعضها عند وصولها إلى السلطة، لا يدلان على إمكانية اعتمادها نظاماً علمانياً، أو التزامها بقواعد الديمقراطية، إلا إذا كانت مضطرة. ولعل في إشارة سمير سعيفان إلى القبضة العسكرية القوية التي تقود التقاليد الديمقراطية التركية منذ تأسيسها ما يشير إلى أهمية وجود عامل قوي ومؤثر، يرغم الأحزاب التي تستلم السلطة على الالتزام بقواعد محددة، تمنع أياً منها من الاستئثار بالسلطة، وتحويل مؤسساتها وفقاً لإيديولوجية معينة.
تكمن مشكلة أحزاب الإسلام السياسي في مرجعيتها، وليس في طبيعة قادتها أو تكتيكاتها السياسية. تلك المرجعية التي ترى في النصوص الدينية (ليس فقط في القرآن الكريم والسنة النبوية، بل في الفقه الإسلامي أيضاً) أساساً للحكم صالحاً لكل زمان ومكان. والمشكلة الأكثر تعقيداً أن الفقه الإسلامي شديد التنوع والاختلاف بشأن معظم المسائل التي تواجهها الأنظمة الحاكمة، فضلاً عن تلك المسائل التي لم يكن لها وجود أيام وُضع الفقه، وأيام صيغت التفاسير العديدة للنصوص الدينية. ونشهد اليوم ذلك التنوع والاختلاف على أوسع نطاق، لدى متابعتنا مختلف "الفتاوى" والآراء الصادرة عن المراجع الدينية المختلفة.
لم تكن تجربة حكم الإخوان المسلمين القصيرة في مصر مشجعة على التفاؤل بإمكانية التزامهم باللعبة الديمقراطية، أو بقبول ممثلي القوى العلمانية شركاء حقيقيين في الحكم، أو بدلاء لهم في مراحل لاحقة (وإن كنت أتمنى لو طالت تلك الفترة للتأكد من صحة هذا الاستنتاج). وعلى الرغم من تثميني عالياً الوثيقة الصادرة عن "إخوان" سورية بتاريخ 25/3/2012 "عهد وميثاق من جماعة الإخوان المسلمين في سورية"، والتي أكدوا فيها على التزامهم "دولة مدنية حديثة تقوم على دستور مدنيّ، منبثق عن إرادة أبناء الشعب السوريّ" و"دولة ديمقراطية تعددية تداولية" و"دولة مواطنة ومساواة (...)، ويكون فيها الشعبُ سيدَ نفسه، وصاحبَ قراره..."، إلا أن ما يلاحظه المرء من سلوك الجماعة في بعض المؤسسات التي تمثل المعارضة السورية لا يبشر باحتمال التزامها بما جاء في الوثيقة المذكورة، إذا أتيح لها تسلّم السلطة.
هل تعدّ حركة النهضة التونسية استثناء في هذا السياق؟ أرجو ذلك. لكن، هناك، مع الأسف، مؤشرات على وجود تيار قوي داخل الحركة يعارض سياسة قيادتها بقبول شراكة حقيقية مع الآخرين. ولعل مثال "النهضة" يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الحزب الإسلامي يلتزم باللعبة الديمقراطية طالما اضطر إلى ذلك، فطبيعة المجتمع التونسي، والتطورات التي مر بها منذ الاستقلال، لا تتيح لحزب إسلامي فرض إرادته وسياساته عليه.
هناك فرق جوهري بين حزب يستند إلى مرجعية إسلامية، من دون أن تكون مرجعيته الوحيدة، مثل حزب العدالة والتنمية التركي، وحزب تعدّ الشريعة الإسلامية مرجعيته الوحيدة (كأحزاب الإخوان المسلمين العربية)، ولا أجد تسمية النوع الأول من الأحزاب أحزاب "الإسلام السياسي" مناسبة.

88B09C6F-3943-43D6-8F60-1133901D8823
خضر زكريا

أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع في جامعات دمشق ووهران وعدن وقطر، من مؤلفاته نظريات سوسيولوجية، التركيب الاجتماعي في سورية، محاورات سياسية في الاشتراكية والديمقراطية.