مجزرة الكيماوي وجرائم داعش

21 اغسطس 2014

سلّم النظام أسلحته الكيماوية بموجب صفقة أميركية روسية إيرانية

+ الخط -


مر عام على المجزرة التي ارتكبها النظام السوري في غوطة دمشق الشرقية، وراح ضحيتها نحو 1500 شخص، بينهم أطفال ونساء وشيوخ كثيرون، نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية الفتاكة. وبعد ضجة كبيرةٍ، أثارها ما يسمى "المجتمع الدولي"، وتهديد الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وبموجب صفقة أميركية روسية إيرانية، سلّم النظام أسلحته الكيماوية، لكنه استمر في تدمير المنازل على رؤوس ساكنيها بوسائل أخرى، لعلها أكثر همجية، سميت البراميل المتفجرة، وخلفت عشرات آلاف الضحايا المدنيين في معظم أنحاء سورية.

سالت دماء سورية كثيرة منذ مجزرة الكيماوي. وساهمت في إسالتها مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، وتدّعي معارضة النظام السوري، في مقدمتها ما أطلقت عليه عبقرية السوريين تنظيم "داعش". وتسابق داعش هذا مع النظام في القتل والتدمير، وكان همه الرئيسي السيطرة على مناطق سيطرت عليها قوات المعارضة، ولا سيما المجموعات التي تنضوي تحت لواء الجيش السوري الحر. وهكذا سيطر داعش على مدينة الرقة ومعظم ريفها، وعلى مساحات واسعة من محافظة دير الزور، بما فيها حقول النفط، وأجزاء من محافظة الحسكة، ومن أرياف محافظة حلب.. كل هذا و"المجتمع الدولي" صامت لا يحرك ساكناً، سوى وعود جوفاء، واتهامات للمعارضة بشتى التهم، ليعفي نفسه، حتى من تقديم أبسط وسائل الدفاع عن النفس للجيش السوري الحر.

فجأة، وبسرعة مذهلة، قرر "المجتمع الدولي" التدخل ضد تحركات داعش، ولكن، ليس في سورية، بل في العراق. فما إن أُعلن عن استيلاء مجموعات مسلحة عراقية، بينها داعش، على الموصل، وإعلان البغدادي "خليفة" للدولة الإسلامية، وبدء التحرك للسيطرة على شمال العراق، أعلن المجتمع الدولي النفير: تحركت طائرات أميركية لضرب مواقع داعش، بحجة الدفاع عن المسيحيين المهجرين من الموصل والدفاع عن الأيزيديين الهاربين نحو الجبال، وعن الأكراد الذين يتهدد داعش إقليمهم شبه المستقل. وتتسابق، اليوم، دول الاتحاد الأوروبي لتقديم السلاح لأكراد العراق، لكي يتمكنوا من مواجهة الزحف الداعشي.

أكثر من ذلك، قرر "المجتمع الدولي" إقصاء نوري المالكي عن رئاسة الوزارة العراقية، على الرغم من صلفه وتهديداته. ورضخت إيران صاغرة لضغط الولايات المتحدة للقبول بتغييره.

ما السر؟ لماذا يسكت المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على رأسه، سنوات، عن تدمير سورية وقتل شعبها وتشريده، سواء من النظام أو من داعش وأمثاله، ويهرع للتحرك في العراق بهذه السرعة، وبهذا الزخم؟ ألأن الدم العراقي أغلى من الدم السوري في نظر المجتمع الدولي؟ لا شيء يدل على ذلك، ولا شيء يدل على أن أي مبدأ أخلاقي، أو إنساني، يلعب دوراً في تحرك الذين يتشدقون بالديمقراطية وحقوق الإنسان صباح مساء.

الأمر، على ما يبدو لي، متعلق بعوامل لا دخل للعامل الأخلاقي، أو الإنساني، منها أن العراق، على عكس سورية، بلد منتج للنفط على نطاق واسع. وهذا من أهم ما دعا الولايات المتحدة إلى التحرك لإخراجه من الكويت عام 1991، وإلى غزوه وإسقاط نظامه عام 2003. وأن العراق، منذ ذلك الحين، واقع تحت النفوذ الأميركي، مع اعتراف أميركا لإيران بحصة كبيرة من ذلك النفوذ. أما سورية، فتعد ضمن المجال الحيوي الروسي، منذ عهد طويل، والنفوذ الإيراني فيها على توافق مع المصالح الروسية على طول الخط تقريباً، والموقفان، الروسي والإيراني، من الثورة السورية واحد إلى حد كبير. كما أنه، في العراق، حكومة إقليم كردستان، الحكومة القوية التي حققت، في السنوات الماضية، استقراراً وتنمية للإقليم شهد لها الجميع، ويمكن للغرب الاعتماد عليها، في حال حدوث صعوبات، أو خلافات جدية، مع الحكومة المركزية في بغداد. أما في سورية، فلا يرى الغرب، حتى الآن، بديلاً موثوقاً به للنظام السوري.

ليست الأخلاق إذن، وليست مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما يستدعي تحرك "المجتمع الدولي" لنصرة هذا الطرف أو ذاك. هي المصالح، والمصالح وحدها التي تحركه.

88B09C6F-3943-43D6-8F60-1133901D8823
خضر زكريا

أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع في جامعات دمشق ووهران وعدن وقطر، من مؤلفاته نظريات سوسيولوجية، التركيب الاجتماعي في سورية، محاورات سياسية في الاشتراكية والديمقراطية.