الفرح لا يؤجل

07 مايو 2015

أكبر الاحتفالات هي بالعرس الديمقراطي (Getty)

+ الخط -

أقرأ على صفحات المنحبكجية، بين الفينة والأخرى، الوصية الحادية عشرة: "الفرح مقاومة" مصحوبة بصور لهم في حفلات. والحق أنه، بهذا التعريف، لم يكفّ النظام السوري يوماً عن المقاومة. أربعون سنة والنظام الباسل معتكف في صوامع الصالات والأعراس الديمقراطية ويحتفل ويرقص. السنة احتفالات متناسلة من غير استراحة، حتى أنّ عيد الشهداء يختصر بدقيقة صمت، هي في الحقيقة 25 ثانية مستقطعة من عمر الفرح.

أكبر الاحتفالات هي بالعرس الديمقراطي، وترفع صور الرئيس حتى في يوم الجلاء الذي تتم سرقته، وتضاف إلى حساب الرئيس من الإنجازات.

وصادف، أخيراً، أنّ رأس السنة الميلادية وافق حملة الرصاص المصبوب على غزة، وشعب النظام يقدّس رأس السنة الميلادية أكثر من أصحاب العيد أنفسهم، ربما لأنه يهتبل أي فرصة سانحة للتعبد بالفرح، لكنه، هذه المرة، وجد نفسه محرجاً، فقد رأى حكماء القيادة ضرورة الإسرار بالفرح، فبادرت المخابرات إلى تنبيه الفنادق والصالات بضرورة كتم الاحتفالات، حرصاً على مشاعر الشعب الثاني الغاضب على صهر الشهداء والأحياء بالحجر في غزة.

ما حدث أنّ الشعب الأول يقدس شعائر دين الفرح، فالفرح كتاب موقوت، مثل الصلاة، فكاد أن يقول: والله لو وضعوا الشمبانيا في يميني والويسكي في يساري ما تركت احتفالا إلا وفرحت به.

من يجرؤ على منع الشعب الأول من "قيام الليل"؟ الفرح لا يؤجل، فاليوم ستموت السنة القديمة، ولا بد من الاحتفال بدحرها، أما العدو الصهيوني فليحتفل على طريقته في غزة، فسكانها جميعا من الإرهابيين والمتشددين والسلفيين.

لن نستشهد لهؤلاء بالقرآن الكريم الذي يقول "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"، أو بصلاح الدين الأيوبي الذي كان يقول: كيف أبتسم والقدس محتلة بين براثن الفرنجة، الذين نحتفل برأس سنتهم.

كان النظام السوري يدرك، بغريزته، أنّ الجهاد ضرورة إسلامية وشامية لمتاخمتها العدو، ولا بد من تحويلها إلى لفظ صارخ، أو حركة هائجة، فكان "عنفه" على جبهتين: الشعب أولا والرقص احتفالا بالنصر عليه ثانيا. ولذلك، رفع شعار المقاومة والممانعة، وتوج سادة حضريين لها، فنصّب حسن نصر الله سيداً للمقاومة، كما نُصب من قبل الأسد الجونيور سيداً للوطن، وجيني إسبر ملكةً للإثارة. والشعب خادم سيدين، كما تقول العبارة الإنجيلية التي جعلها كارلو كولدوني عنواناً لمسرحيته الشهيرة.

لكن، ما هي دوافع الفرح؟ أولاً: هو المقاومة بعينها، فقد أصبح موتور من الجبل، في لحظة مكر ودهاء وخيانة، يحكم شعباً "نصفه من الزعماء ونصفه من الأنبياء"، وهذه معجزة لا بد من الفرح بها دوماً. وثانياً، الفرح بامتيازات النصر، وأدناها امتياز اللهجة أو الزي، والنسبة الحزبية، وأعلاها الطفو فوق القانون والمساءلة. وثالثها تأسيس جنة أرضية من السلب والنهب، والجنة تعني حتما تأسيس جحيم أرضي، عاش السوريون، خاصة وعامة، في طبقاته الكثيرة من تدمر إلى سورية، ورابعها تحويل الفرح إلى أيديولوجيا، وإلى امتحان يكشف بها غير الفرحانين، كما لابد من الإشارة إلى أن للفرح جاذبيته، إن كان قائد الفرح مطرباً أو مطربة، إذا يمكن تحويله إلى طقس ديني.

وفي الشركات والمؤسسات العامة أكثر الموظفين تقوى وفضلاً هم أكثرهم رقصاً وهزاً للخصر، والردف في عبادات الأعراس الوطنية الديمقراطية، وأقربهم إلى رب الوطن هم أكثر نخاً، و"النخ" هو الركوع في الدبكة، والإمام هو يقف على رأس "الجحشة" بالدبكة، راقصا هادياً للعالمين. والجحشة، في لغة الفرح السوري الأبدي، هي حلقة الرقص. وقياساً على هذا، تكون هيفا ونانسي وروبي سيدات للمقاومة، وأئمة في معارك الفرح والرقص والواوا..

للأمانة: أطول حزن قسري في تاريخ سورية، القديم والحديث، كان على ولي العهد الجمهوري المصروع في حادث سير فرح أرعن.. في السيارة المحصنة الفرحانة!