"مثالية" أميركية في بالتيمور

02 مايو 2015

قمع الشرطة الأميركية متظاهرين في بالتيمور (28 إبريل/2015/Getty)

+ الخط -

تأكد في الولايات المتحدة أن وصول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض لم يعالج المشكلة العرقية فيها. وقد يكون الأمر مشابهاً في حال تبوّء امرأة، هيلاري كلينتون مثلاً، الرئاسة الأميركية، لناحية الدور النسائي في قيادة البلاد. لم تولد أحداث بالتيمور ـ ميريلاند من لا شيء، ولا كانت امتداداً لأحداث فيرغسون ـ ميسوري في أغسطس/آب الماضي، بل شكّلت استمرارية لصراعٍ طويل، ليس في وارد الانتهاء قريباً.

وتبرز المشهدية "العادية" في الأحداث الأخيرة في "نمطية" الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام الأميركية. هناك واقع يقول إن شاباً أسود قُتل على يد أفراد شرطة من البيض. لكنه تفصيل لدى معظم وسائل الإعلام هذه. بالنسبة إليهم، يكمن الأساس في أعمال الشغب، ونقل صورة نموذجية عن "سودٍ يسرقون المتاجر ويحطمون السيارات ويضرمون النيران ويقومون بأعمال شغبٍ"، فقط لتأكيد أن "المشكلة ليست عنصرية، بل إن بعضهم يستغلّ ما حدث باسم العنصرية، للقيام بجرائم السرقة والنهب". غير وارد، مثلاً، بالنسبة لتلك الوسائل أن يكون العكس هو ما يجري، أي أن تلك الوسائل تُظهر عنصريتها، حين تحاول التغطية على حقيقة مقتل شبان سود على يد أفراد شرطة بيض.

قد يكون المقتول مجرماً، وربما رفع السلاح بوجه الشرطة، لكن وسائل إعلام أميركية فشلت في التعامل مع الأحداث، "بالدقة" عينها التي تعاملت فيها مع أحداث دولية. لم تنجح في إيصال حقيقة ما يجري في بالتيمور، وقبلها في فيرغسون، إلى منزل مواطن أميركي في ولاية فيرجينيا مثلاً، كما فعلت في أحداث الشرق الأوسط أو شرق أوكرانيا أو سورية أو اليمن.

بناءً عليه، كل شيء يُصبح تفاصيل ناقصة، كنقل الصورة من موقع الحدث، أو اختيار ساحات التغطية الإعلامية، أو الإضاءة على جوانب وإهمال أخرى، وإدخال الرأي العام الأميركي في متاهة التفكير لا دقّته، لإضعاف فكرة "الدوافع العنصرية لمقتل الشبان السود"، وترسيخ مبدأ "استغلال العنصرية لتدمير المنشآت والأملاك العامة والخاصة".

تبدو الولايات المتحدة، وللوهلة الأولى، وكأنها من بلدان العالم الثالث، في مثل هذه التوجّهات. ربما لأنها وُلدت من رحم التمازج المتسارع لقوميات أوروبية وافدة إلى "الأرض الجديدة"، ومن إبادة الهنود الحمر، ومن استعباد الأفارقة. ولا تشبه تلك الولادة ولادة دول اسكندنافية أو أوروبية غربية. مرت تلك الدول بمخاضٍ طويل من الصراعات المتناسلة، قبل أن تُصبح على ما هي عليه، خصوصاً في إطار التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان. أما الولايات المتحدة، فَنَمَت بشكل متسارع في القرون الخمسة الماضية، ما يؤدي، بطبيعة الحال، إلى عدم معالجة المشكلات العرقية بطريقة وافية، بسبب أولوية المجتمع الاستهلاكي الذي فرض نفسه في النموّ الأميركي، والتصق بمجتمع الـ319.8 مليون نسمة في شكلٍ مخيف.

مشكلة وسائل الإعلام الأميركية، لا تخفي مشكلة أخرى لدى بعض السود الذين "يعشقون" البقاء في موقع "الباكي" أو "المُضطَهَد"، لإخفاء عجزهم، أو كسلهم في التطور المهني والاجتماعي. وهو أمر تطرّق إليه الممثل الأميركي، بيل كوسبي، بعد إعصار كاترينا 2005، حين قال إن "الإعصار أظهر أن بعض أبناء جلدتنا يحبون الكسل، ويرفضون أن يتقدموا في حياتهم، ويستخدمون العنصرية لتبرير جمودهم". في كلام كوسبي بعض الحقيقة، لكن الحقيقة الأهمّ تتبدّى في عدم قدرة أكثرية الشعب الأميركي، على مواكبة التغييرات التشريعية والإنسانية المتلاحقة في بلادهم، خصوصاً في ظلّ تزايد أعداد المهاجرين إلى بلاد العم سام. لذلك، تبقى عنصريتهم بارزة.

لا يقتصر الأمر على سودٍ وبيضٍ وهيسبانيك (متحدرين من أميركا اللاتينية)، بل يتعدّاه إلى العنصرية الدينية ومواجهة المثليين والتمييز في الخدمات بين ولاية وأخرى. كلها أمور لا تجعل أميركا مثالية، وأقرب إلى العنصرية من أي دولة، لكن من قال إن العالم مثالي؟

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".