عن "العدالة والتنمية" المغربي

02 مارس 2015
+ الخط -

ثمّة، اليوم، في المغرب، نقاشات تافهة، للأسف، تحجب حقيقة ما يجري، وتدور في البلد منذ أربع سنوات، نقاشات مغلفة بقفز شخصيات أكثر تفاهة إلى مسرح الأحداث، تحرم كثيرين من ترتيب المشاهد، للوصول إلى وضوح في الصورة.

لكن، يقيناً ذاكرة المغاربة ليست قصيرة، وعقولهم ليست قاصرة على فهم ما جرى ويجري، وسيتمكنون من النظر، عاجلاً أم آجلاً إلى الصورة مكتملة، يتضح معها من آمن وعمل ومن ركن واستغل، ومن ناور، وحاول أن ينقض، وعندها لن تنفع حملات الضخ الإعلامي ومحاولات الترميز المجاني، لمن هبّ ودبّ، وكُلّف بلعب أدوار محددة بتفانٍ.

لكن، في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يحجب عن المغاربة، كما عن غيرهم ممن يهمهم ما يقع في المغرب، أن حزب العدالة والتنمية، على الرغم من كل ما قد يُقال عن حداثته في المشهد السياسي، وتواضع كفاءة كوادره في مجالات بعينها، أضاف إلى رصيده مكتسبات جديدة، بعد أن نفض، في قومته الثانية، غباراً كثيراً عن هوية هذا البلد، وعرّى مظاهر خلل كثيرة، وكشف مواطن ضعف كثيرة، وفضح الكثير ممن استغلوا الغبار والخلل والضعف، ليبنوا أمجاداً لهم ولعائلاتهم الصغيرة والكبيرة، والسياسية أيضاً، بعيداً عن عموم أبناء الشعب، فاتسعت الهوة شيئاً فشيئاً، وكادت تنفجر الأوضاع، لولا الألطاف الإلهية والإجماع على الملكية.
وقد برزت بشكل كبير هذه الهوة، ومؤشرات الانفجار خلال سنة 2011، فكان حزب العدالة والتنمية الأكثر تصدياً لها، متحمّلاً ما جره عليه موقفه من تشكيك في نضاليته، وقربه من المواطنين، فتحمل وخطا إلى الأمام، وكان الوحيد، نعم الوحيد، من بين جميع الأطراف الذي قدّم أطروحة واضحة، في أوج الحراك وبشّر بها، وراح أمينه العام يعرّف بها في جميع جهات الوطن، مخاطباً الناس بلغتهم وبتاريخهم، جاعلاً المساهمة في الاستقرار غايةً، ودخول البلاد عهداً جديداً من الإصلاحات هدفاً إجرائياً.
وبذلك، ساهم حزب العدالة والتنمية بقدَر في تأكيد أهمية الحفاظ على استقرار الوطن وبنيات الدولة، في محيط لم يكن يصلنا منه إلا سقط النظام، يسقط النظام، متى يسقط النظام، وصور القتل والتدمير والدماء في الشوارع، فكان أن لقيت أطروحة الحزب صدى لدى عموم المواطنين، بمن فيهم من كانوا يخرجون إلى الشارع، كل يوم، أحد آنذاك، وصدى عند نخب ذات تأثير أيضاً. وبالطبع، لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه الخطاب الملكي لـ9 مارس/ آذار في تعزيز الاستقرار، حيث كان بمثابة "إشعار بالتوصل بمطالب الشارع"!

جاء الدستور الجديد، لفاتح يوليو/ تموز 2011 وبعده الانتخابات المبكرة لـ25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 التي حملت "العدالة والتنمية" إلى رئاسة الحكومة، كما كان متوقعاً عند المتتبعين، وعلى غير ما اشتهى خدام الاستبداد الراعون للفساد، ليجد الحزب نفسه أمام معركة جديدة، بعد خروجه موفقاً من معركة المساهمة في الاستقرار، وهي معركة مواجهة الأزمة التي كانت قد استحكمت في اقتصاد البلد، وأرخت بظلالها على مجالات متعددة، وباتت مصدر قلق عند أصحاب القرار، فتوكل الحزب على الله، كما يقول دائماً أمينه العام الذي أصبح رئيساً للحكومة، وواجه هذه الأزمة، فاقترح الحلول الصعبة التي التهمت، من دون شك، من شعبيته، لكنها كانت الجواب اللازم لتفكيك الأزمة، وإبطال مفعولها، فتم رفع أسعار المحروقات، وانعكس ذلك على أسعار مواد غير المدعمة، وليتم، بعد ذلك، دخول "جحر" المقاصة، والشروع في إعادة هيكلتها في أفق إلغائها تماماً، واعتُمدت المقايسة في أسعار المحروقات، مع ما صاحبها من انعكاسات. صحيح لم تكن الإجراءات المواكبة والمصاحبة كافية بما يلزم. لكن، عموماً استطاعت الحكومة التي يقودها "العدالة والتنمية" أن تتجاوز، من خلال هذه الإجراءات، الأزمة، بحلولٍ معظمها لم يتطلب سوى جرأة سياسية معهودة في رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ويبدو أنها لقيت تجاوباً من أعلى سلطة في البلاد.

تجاوز المغرب الأزمة بسلام، على الرغم من ضربات كانت تتلقاها الحكومة، من كل حدب وصوب، وأعطت تقارير اقتصادية دولية شهادة النجاح في تجاوز الأزمة، من خلال التنقيط والتصنيف، وبرز النجاح جلياً في إطلاق حلم الدخول إلى نادي الدول الصاعدة.

بعد المساهمة في الاستقرار والنجاح في مواجهة الأزمة، دخل "العدالة والتنمية"، من جديد، في معركة أخرى من أجل الوطن، وهي معركة الإنجاز، والذي كان من ثمار حلول مواجهة الأزمة. لذلك، سجل المغرب، خلال السنة والنصف الماضية، إنجازات حكومية، منها ما هو غير مسبوق، مثل الدعم المباشر للأرامل واليتامى، واعتماد قانون فقدان الشغل، وتسوية عدد أيام العمل اللازمة للاستفادة من الضمان الاجتماعي، والرفع من منحة الطلبة، ومن المعاشات، والرفع من الحد الأدنى للأجور، وغيرها من الإنجازات التي لم يعد ممكناً التركيز معها لكثرتها.
هكذا، إذاً، لم يكد حزب العدالة والتنمية يخرج من معركة، حتى يدخل في أخرى. وبالطبع، لم ينس معركته، مع يتامى العهد السابق الذين كلما تحقق إنجاز للحكومة، ازدادوا يُتماً، وكلما ذكّرهم رئيسها بماضيهم، كشفوا عن أنيابهم المختبئة في الإعلام، وفي الإدارة، ويبقى الرهان، اليوم، على تفهم المغاربة لكل ما حصل في هذه الفترة، ويقرروا هل وفّى هذا الحزب، أو على الأقل يسير في طريق الوفاء، أم إنه خان وباع كالذين سبقوه!

C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
حسن حمورو
كاتب ومدوّن مغربي.
حسن حمورو