تفويض ديمقراطي لمواصلة الإصلاح

09 سبتمبر 2015
+ الخط -
كما كان متوقعا عند المتابعين المنصفين، تفوق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجهوية والجماعية في المغرب، واحتل مرتبة جاءت منسجمة إلى حد كبير مع تاريخه النضالي الحافل، ومع إنجازاته على مستوى التدبير، حكوميا ومحليا. 
وبعيداً عما قيل وسيقال في التحليل المستأجَر غير المبني على معطيات واقعية، ويحمل مواقف سياسية أكثر من ربط بين المؤشرات وإيجاد ناظم بينها يوصل إلى قراءة موضوعية، تساعد على الفهم والاستيعاب والاستشراف، فإن النتائج المعلن عنها للانتخابات الجماعية والجهوية تقول إن المغاربة المعنيين بسؤال الإصلاح منحوا "العدالة والتنمية" المرتبة الأولى فعلا، إذا كان ضرورياً اعتماد ترتيب عددي في هذه الانتخابات.
جرت هذه الانتخابات في سياق سياسي، يتسم بصراع منه الظاهر ومنه الخفي، بين تيار الإصلاح الذي تولى مهمة افتكاك السياسة في المغرب من العصابات التي تستغلها في الاسترزاق، وتيار الاسترزاق الذي لا يتوانى في استعمال كل الأساليب والوسائل لتحقيق أهدافه. لذلك، ينبغي أن تؤخذ مرجعية التقييم والترتيب فيها بالاعتبار في هذا السياق.
المواطنون الذين انخرطوا في العملية الانتخابية، متابعة للحملة وتصويتا، اقتنعوا بأن خطاب "العدالة والتنمية" لم يكن مجرد خطاب انتخابي، يسعى إلى حصد مقاعد جماعية وجهوية فحسب، وإنما تجاوزه إلى أبعاد أخرى، تتعلق بمسار منهج في السياسة ومستقبل وطن، فشاركوا بكثافة في التصويت، عكستها نسبة التصويت التي تجاوزت 53%، ومنحوا متزعم تيار الإصلاح، حزب العدالة والتنمية، أزيد من مليون ونصف من الأصوات، مكّنته من تحقيق الأغلبية المطلقة التي لا يحتاج معها لأي تحالف إذا أراد ذلك، في المدن الكبرى، خصوصاً التي اغتصبها التحكم في انتخابات 2009، وفي المدن التي سيّرها خلال الولاية المنصرمة، وفي جماعات حضرية وقروية أخرى، منها جماعات تقع في عمق العالم القروي.
تفيد المؤشرات الأولية بأن "العدالة والتنمية" سيسير ما لا يقل عن مائة جماعة، ستكون أغلبها حضرية، وعدد مقدر من الجماعات القروية، وسيكون مشاركا في في تسيير جماعات أخرى، لن تقل، هي الأخرى، عن مائة جماعة.
على مستوى الجهات، طبيعي أن يحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية المقاعد، بالنظر إلى أن التصويت اللائحي كان دائما يحقق من خلاله الحزب المراتب الأولى، واليوم في وسعه أن يسير حوالي خمس جهات، والمشاركة في تسيير جهات أخرى، في نسخة تجريبية، لتنزيل مقتضيات الجهوية المتقدمة التي ستنقل المغرب الى نمط تدبيري جديد، سيقطع ولو تدريجيا مع المركزية، ويحول شيئا فشيئا المغرب إلى ما يشبه فيدراليات يسيّر المواطنون فيها شؤونهم بأنفسهم من خلال ممثلين يختارونهم بالتصويت المباشر، وسيكون هذا التحول المهم والعميق حزب العدالة والتنمية في مقدمة قيادته، وفيه مؤشرات إضافية على أن الحزب بات محوراً في جملة تحولات تعرفها الدولة، ما يعزز نجاح مسار اندماجه أو إدماجه، ويكرس صوابية خيار المشاركة السياسية للحركة الإسلامية المغربية.
دعونا نعود إلى مرجعية التقييم والترتيب، لنتأمل النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، سنجد، من دون حاجة إلى إطالة تفكير، أن رموز تيار الاسترزاق والاغتناء من السياسة الذين اختاروا، تدليساً، الاختباء داخل بعض الأحزاب، لم يحصلوا على ما اعتادوا الحصول عليه من مقاعد، على الرغم من الاستعمال المكثف للمال والترهيب، وغيرهما من الأساليب الانتخابية المعهودة لديهم، فالسقوط المدوي للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، في مدينة فاس التي ظن أنها أصبحت قلعة له، وعجزه عن تأمين فوز لوائحه، أو حتى منافستها لوائح "العدالة والتنمية"، وسقوط محمد ساجد الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري الذي كان عمدة للدار البيضاء أكبر مدينة، وعجز الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، مصطفى الباكوري، عن مجاراة لائحة "العدالة والتنمية" في مدينة متوسطة كالمحمدية، وعجز حزبه عن الحفاظ على مدينة مراكش وطنجة اللتين كان يعتبرهما معقلين انتخابيين له، والتراجع المهول للوائح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورموزه الانتخابية في مدن، كان يراهن عليها منها، كلميم وآيت ملول وأكادير والرباط. يؤكد هذا كله أن "العدالة والتنمية" خطا خطوات كبيرة على درب القضاء على مدخل من مداخل الفساد السياسي، بمعية المخلصين في بعض الأحزاب، وبشرعية أصوات المغاربة.
في المحصلة، إننا إزاء تفويض ديمقراطي من المغاربة لحزب العدالة والتنمية، للاستمرار في مسار الإصلاح، واستجابة طوعية وواعية منهم لنداء "صوتكم فرصتكم لمواصلة الإصلاح" الذي اختاره الحزب شعارا لحملته الانتخابية، وتفويض لمزيد من الجرأة في تنزيل مقتضيات تعاقد الانتخابات التشريعية السابقة أوانها لسنة 2011، القائم على محاربة الفساد والاستبداد، وفي ذلك رسالة بين السطور، تفرض على "العدالة والتنمية" بذل ما في وسعه لتحصين هذه الإرادة وحماية الأصوات الانتخابية للمواطنين.
C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
C38F0356-1EA8-496F-8B2B-918413201A10
حسن حمورو
كاتب ومدوّن مغربي.
حسن حمورو