أميركا وسورية .. إطالة النزاع

20 مارس 2015

كيري .. تصريحات لا تساهم بتخليص الشعب السوري (مارس/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
للتصريحات الأميركية التي تخص سورية وضع خاص وغريب، لا يمكن أن يجاريه في خصوصيته وغرابته سوى لعبة التواريخ التي لعبها الساسة الأميركيون، منذ بدء الحراك الشعبي في سورية، سنة 2011، مروراً بالحرب والمجازر والانتهاكات التي جرت وتجري خلالها، وصولاً إلى الأحاديث والتصريحات التي تتناول آماد هذه الحرب والتوقعات باستمرارها طويلاً. ولم يأتِ تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قبل أيام، والقائل بحتمية التفاوض مع الأسد في النهاية، ليفعل شيئاً، سوى أن يضاف إلى التصريحات التي مضى وقتها، ولم تقدم شيئاً من تخليص الشعب السوري من مأساته.
عاش سوريون كثيرون وهْمَ التدخل الأميركي، إلى جانب طرف من أطراف الصراع ضد الطرف الآخر بطريقة ما. فقد عولت أطراف في المعارضة السورية طويلاً على التدخل العسكري الأميركي المباشر ضد النظام. وبقي هذا في طور المطالب والتمني وتهديد الطرف الآخر به، ليصل إلى ذروته، بعد اقتناع واشنطن بأن الجيش السوري هو من استخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/آب 2013، السلاح الذي حذر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل عام من وقوع تلك المجزرة التي راح ضحيتها مئات الأبرياء، ويعد استخدامه خطاً أحمر، وقال إنه قد يقود إلى استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد. وهو ما أعلن أوباما في 1 سبتمبر/أيلول من العام نفسه أنه سينفذه بتوجيه ضربة
 عسكرية إلى النظام، إلا أن تلك الضربة لم توجه، و(افتُدِيَت) بتضحية النظام بسلاحه الكيماوي من خلال تسليمه، وفق اتفاق أميركي روسي، جرى في اللحظات الأخيرة في التاسع من الشهر ذاته. كما أن الولايات المتحدة التي فرضت حظراً على تزويد المعارضة بالسلاح، لم تستجب لمطالبها برفع ذلك الحظر سوى أخيراً، ولم تستجب لمطالبها بفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين، ولتمكين المعارضة من الوجود فيها لتنسيق عملياتها في باقي مناطق البلاد، انطلاقاً منها.
كما أن النظام قد مَنَّى نفسه بقبوله طرفاً في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الأمر الذي يمكن أن يعطيه شرعية من دول التحالف، وهي ما يحتاج إليه في ظل الحظر والمقاطعة الدولية المفروضتين عليه. وقد خرجت صحيفة الوطن السورية، شبه الرسمية، يوم 23 سبتمبر/أيلول 2014 بعنوانها العريض: "واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب"، في تدليل على تنسيق بين التحالف والجيش السوري، في ما يخص ضربات الأول في سورية. نفى الأميركيون وجود ذلك التنسيق، وبقي كل في خندقه الخاص.
وبالعودة إلى الموقف، أو بالأحرى المواقف الأميركية، وتعاطي واشنطن مع تطورات الأوضاع في سورية، نرى أنها كانت تتعاطى بخجل مع هذه الأوضاع، واقتصرت تصريحات المسؤولين الأميركيين على تكرار التحذيرات من استخدام السلاح الكيماوي، وعلى مطالبة الرئيس السوري بالتنحي في 18 أغسطس/آب 2011 بعدما أقر أوباما بـ "عجز الأسد عن إنجاز التحول الديمقراطي". وذلك بعد خطوة مبكرة في 18 مايو/أيار من العام نفسه، حين فرضت واشنطن عقوبات مالية واقتصادية، وهي عقوبات، عادة، ما تضر الشعوب أكثر مما تضر الأنظمة. وكانت الولايات المتحدة تقذف كل نشاط أو مسعى يخص الوضع في سورية، على الرغم من خطورة الموقف وموت عشرات الآلاف، شهوراً إلى الأمام. إلى أن جاء اجتماع مجموعة العمل الدولي حول سورية في 30 يونيو/حزيران 2012، وكان وجود الولايات المتحدة في هذه المجموعة بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن فحسب. الاجتماع الذي درس النقاط الست المتفق عليها لإنهاء الصراع، والتي لم تضغط الولايات المتحدة لتنفيذ أي منها، وهي لو فعلت لكانت قد نُفِّذَت بمجملها، ورأينا الصراع وقد سُوِّي منذ ذلك الحين.
لا شك أن الحرب في سورية في مصلحة أميركا وإسرائيل. والحرب المعلنة من التحالف الدولي ضد داعش ستحرك سوق السلاح في الشرق الأوسط، ليزيد الطلب على السلاح الأميركي خصوصاً. وهي سوق وصلت إلى حد التخمة بالسلاح سنة 2010، تبعاً لتقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي، أفاد بأن هذه المنطقة ينظر إليها على أنها منطقة صراع وعدم استقرار دائمين، تتطلب تجديداً لسباق التسلح فيها. كما أن استمرار الحرب في سورية يقود البلاد إلى حافة الانهيار، وهو ما تريده إسرائيل التي تريد أن تصبح سورية دولة فاشلة، أو في أحسن الأحوال ضعيفة، وهو ما توفره لها هذه الحرب.
لا أدري إن كان أحد من المعارضة ممن عولوا على التدخل الأميركي لصالحه، أو لصالح الشعب السوري، قد قرأ أو اطلع على حادثة في التاريخ، وقفت فيها الولايات المتحدة إلى جانب شعب مقهور. على العكس، تخبرنا كتب التاريخ، وما سجلته ذاكرتنا من أحداث شهدناها أن الولايات المتحدة كانت، طوال الوقت، تقف حجر عثرة في طريق طموحات الشعوب وثوراتها لتحقيق تلك الطموحات. وكانت محرك الثورات المضادة، ومشعلة الحروب الظالمة للشعوب وداعمتها. علاوة على وقوفها وراء، أو سكوتها عن، حروب إبادة جماعية كانت تشن ضد شعب من الشعوب، فتحصد ملايين من أرواح أبنائه، كما حصل في إفريقيا وجنوب شرق آسيا. ومؤكد أنه ليس لدى واشنطن مصلحة بإنهاء النزاع في سورية، كما أنها فاقدة أي رغبة أخلاقية بوقف الحرب وسفك الدماء فيها. وهي إذ تنتفي مصلحتها بالسلام، فإن مصلحتها بالحرب تبقى الأساس. وهنا، تأتي تصريحات كيري، أخيراً، لتزيد البلبلة لدى كل من طرفي الصراع، وفي وقت تُدَرِّب فيه واشنطن عناصر من المعارضة المعتدلة، حسب قولها، وتمدها بالسلاح، ليتعزز الاعتقاد بأنها لا تفعل ذلك سوى لإطالة زمن الصراع، واستمرار حرب الإبادة على الشعب السوري.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.