هل تتولّى امرأة أمانة الأمم المتحدة؟

20 ديسمبر 2015

الجمعية العامة للأمم المتحدة تستمع لخطاب أوباما (28 سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
لا بدّ أن يحصل المرشّح لشغل منصب الأمين (أو السكرتير) العام للأمم المتحدة على رضا روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وموافقتهم. تشير البيانات، وحسب تصريحات القادة الدوليين، إلى أنّ الوقت قد حان لشغل هذا المنصب من مرشحين من أوروبا الشرقية، وعلى الأرجح مرشحات قادرات عليه، علمًا أنّ ولاية السكرتير العام الحالي، بان كي مون، الثانية ستنتهي مع نهاية العام المقبل 2016. وشغل المنصب حتى الآن ممثلون عن أوروبا الغربية، آسيا، أفريقيا وأميركا اللاتينية.
ترغب نحو ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتعيين امرأة لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة، للولاية المقبلة، مع بداية العام 2017، حسب ما ورد في بيانات وكالة أسوشييتد برس، وتفيد بأنّ 42 دولة عضو في الأمم المتحدة وقعت على بيان يذكرون فيه أنّ الهيئة الأممية، ومنذ تأسيسها قبل 70 عاماً، لم تناقش عملياً شأن تعيين امرأة لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة. ويرى البيان أنّ الوقت حان لتترأس امرأة هذا المنصب الرفيع. وتشمل المجموعة الداعمة لهذه التوجهات ألمانيا واليابان، وهما من كبريات الدول المانحة لدعم موازنة الهيئة الأممية.
عمل على تأسيس المجموعة الداعمة لتعيين امرأة لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة، ماريا إيما ميخيا، الممثلة الدائمة لكولومبيا. ولكن، لم تدعم أي من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن ضمنها روسيا والولايات المتحدة الأميركية، هذه المبادرة، باستثناء التشيلي الدولة غير دائمة العضوية في مجلس الأمن. لكن ذلك لم يقف حجر عثرة أمام المجموعة المعنية للإصرار على هذا الاستحقاق، وبدلاً عن تزكية مجلس الأمن مرشحي منصب السكرتير العام أمام الهيئة العمومية، تطالب دول باعتماد برنامج قادر على البحث عن المرشح المناسب لهذا المنصب، وفقاً لمؤهلاته الشخصية والمهنية، وبعد إجراء سلسلة من اللقاءات، للتيقّن من أهليته لهذا المنصب شديد الأهمية على الصعيد العالمي.
دعمت بريطانيا، الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ترشيح امرأة لترأس الأمم المتحدة، لكن روسيا، العضو الدائم الآخر، صرّحت، أخيراً، بعدم تقديم الأولوية للجنس في المعايير المعتمدة لاختيار السكرتير العام المقبل. ولم يصرح بان كي مون السكرتير العام الحالي للهيئة الدولية، مباشرة بدعمه هذه التوجهات، لكن المتحدث باسمه أعرب عن تأكيد بان كي مون أنّ الوقت حان لترؤس امرأة لقوام المنظمة الدولية. وتفيد بيانات الأمم المتحدة بأنّ 41 امرأة ترأست، حتى اللحظة، البعثات الخاصة للدول الأعضاء ممثلات دائمات، ولفترة قصيرة خلال العام الماضي، مثلت نساء ستّ دول أعضاء في مجلس الأمن، والآن يمثلن أربع دول أعضاء فيه.

فشل في حلّ الأزمات
فشلت الأمم المتحدة في وقف العدوان المتواصل على غزة، وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة
والقدس، ولم تتمكن من وضع حدّ للصراع المتواصل في سورية، وكذا الخلاف الطائفي المستشري في العراق والحروب الأهلية في ليبيا وأوكرانيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، على الرغم من الوساطات الدبلوماسية المحمومة التي بذلتها المنظمة الدولية.
السبب الرئيس في فشل الجهود الدبلوماسية حتى اللحظة في ملفات ساخنة عديدة، يتمثّل في عدم تعاون الدول الأعضاء وتفضيل المصالح الوطنية، وخصوصاً مصالح الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، على حساب الأزمات المشتعلة والحروب والأزمات التي تحصد ملايين الأرواح من المدنيين حول العالم. وأحياناً تعمل الأجزاء المكوّنة لجسد الهيئة الأممية ضدّ بعضها، ما أدّى إلى العجز والجمود العالمي.
هناك فارق بين وكالات الأمم المتحدة المهتمّة بالشؤون الإنسانية وتقديم الدعم والمأوى للمنكوبين، كما الحال في غزّة، حيث يأوي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية نحو مائة وثمانين ألف مواطن في مدارس الوكالة ومقرّاتها. لكن، وعلى أرض الواقع نشهد عمليات ممنهجة لعرقلة أداء منظمات الأمم المتحدة، كما ممارسات مجلس الأمن، عبر استخدام حقّ النقض "الفيتو" ضدّ مساعي السلام والجهود الدبلوماسية، وتعطيل إصدار قرارات إدانة للدول المعتدية المحتلة لأراضي الآخرين والمنتهكة حقوق الإنسان، من دون تحمّل أيّة تبعات قانونية. واستخدمت الولايات المتحدة حقّ النقض أربع عشرة مرة، منذ انتهاء الحرب الباردة لصالح إسرائيل، في وقت استخدمت فيه روسيا هذا الحق 11 مرّة، وغالبًا لصالح النظام السوري.
تعاني مكاتب التنسيق الإنسانية من عرقلة أعمالها بصورة دائمة، وواجهت صعوبات جمّة بشأن تقديم المعونات الإنسانية لنحو مليوني مواطن سوري عبر الحدود السورية، حال دون ذلك إصرار نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، الحصول على إذن مسبق قبل تسليم المعونات، وعادة ما تستغرق هذه الجهود أشهراً طويلة للتوصل إلى قرار أممي، بسبب المخاوف الروسية من انتهاك السيادة السورية.
وجدت الحرب الباردة طريقها أيضاً في أروقة الأمم المتحدة، بعد أن أقدمت روسيا على ضمّ شبه جزيرة القرم، وامتلأت أجواء الهيئة الدولية بالانتقادات، لكنّها لم تتجاوز دورها المألوف باستلام وعرض مذكّرات المظالم وتبادل الاتهامات. لكنّ الضغط الأممي على روسيا تراجع إثر تدخلها العسكري في سورية ووعودها بالقضاء على داعش، إضافة إلى تداعيات أحداث باريس وإسقاط تركيا المقاتلة الروسية.
قصور الأمم المتحدة مرتبط كذلك بانعدام الرغبة الأميركية بالتورط في الحروب والأزمات الدولية، بعد الفشل الذريع في العراق وأفغانستان، وتاليًا ضعف التأثير الدبلوماسي لواشنطن في كابول وبغداد وتل أبيب والقاهرة أيضًا، في وقتٍ وجدت فيه روسيا الفرصة متاحة لاستغلال التراجع الاستراتيجي الأميركي لتحتلّ هذه المكانة، مذكّرة باقتناص أميركا دور الشرطي العالمي، خلفًا لبريطانيا التي خرجت ضعيفة ومنهكة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظهورها بقوة في مسرح الأحداث الشرق أوسطي.

هل تنجح امرأة في مواجهة الأزمات الدولية؟
هناك معايير محدّدة لا يمكن تجاوزها للموافقة على تأهّل امرأة لمنصب الأمين العام للأمم
المتحدة، تكون قادرةً، بشكلٍ أو بآخر، على تجاوز الدور التقليدي للسكرتير العام بشجب الأحداث الدموية، والدعوة الهادئة المفرغة من الحسم لتغليب العقل والحلّ الدبلوماسي. هل يمكن لامرأة أن توقف حمّام الدم في سورية؟ تشير الإحصائيات الموثقة، بشكل كامل، إلى سقوط 151685 شهيدًا في سورية حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بينهم 3600 فلسطيني، 16970 طفلا، 16155 امرأة، 12010 أشخاص ارتقوا إلى السماء تحت وطأة التعذيب. وتتناول الإحصائيات تحديدًا ضحايا النظام السوري، من دون التطرق لضحايا داعش والتنظيمات المتطرفة. أمّا أعداد القتلى التقديرية فتبلغ نحو 280 ألف مواطن.
وسط هذه الإحصائيات المرعبة، يصعب قبول الدور السلبي لهيئة الأمم المتحدة التي فشلت بإصدار قرارات حاسمة لإنقاذ المدنيين في سورية، على الرغم من الترهيب والقتل بشتّى الطرق الممكنة، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي، وظهور الدبّ الروسي، أخيراً، الذي تبنّى الدور العسكري المتداعي لجيش النظام السوري. هل تنجح امرأة بحسّها الأمومي بالتغلّب على الشعبويّة السياسية، وتغليب الضمير الأممي على مصالح الدول العظمى؟ ليس مؤكداً أنّ الأمر سيختلف كثيرًا بعد العام 2017، سواء تولّى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة رجل أو امرأة.

مرشّحات
يتمّ الحديث بشكل مكثّف عن ترشيح كلّ من هيلن كلارك، رئيسة الوزراء السابقة لنيوزيلاندا، ميشيل باشيليه رئيسة تشيلي، والبلغارية إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والتعليم "يونسكو"، المرشحة الرسمية لجمهورية بلغاريا. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد صرّح، قبل أشهر، أنّ ممثلين عن أوروبا الغربية وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية قد شغلوا هذا المنصب حتّى اللحظة، من دون أن تنال أوروبا الشرقية هذه الفرصة حتى الآن. وقال إنّ بلاده قد تدعم ترشيح امرأة كفوءة من أوروبا الشرقية للولاية المقبلة، حتّى وإن كانت الدولة المعنية عضواً في حلف الناتو.
يدل التحضير الطويل لهذا المنصب على توخّي الحذر بشأن هوية المرشّح المقبل، سواء كان رجلاً أو امرأة، ولا نظنّ بوجود أهمية كبيرة للجنس، أخذًا بالاعتبار ضرورة المحافظة والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للدول العظمى. ومع ذلك، يمكن تسليط شيء من الضوء على الشخصيات المذكورة.
هيلن إليزابيث كلارك، ولدت في مدينة هاملتون في مقاطعة ويكاتو في نيوزلندا عام 1950، التحقت بجامعة أوكلاند عام 1968، وحصلت على شهادة الدكتوراه في التمثيل السياسي الريفي عام 1974. انتقدت في أثناء دراستها العليا التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وعارضت التجارب النووية في جنوب المحيط الهادي وحرب فيتنام. انتخبت عضواً في البرلمان في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ثمّ تولت حقائب وزارية، الدفاع، الإسكان والعمل والصحة، وعيّنت نائبة لرئيس الوزراء في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. تزعمت حزب العمال، وبقيت في المعارضة، حتى تمكنت من شغل منصب رئاسة الوزراء عام 1999 بعد نحو 30 عامًا قضتها في صفوف حزب العمال، أطلق عليها لقب أمّ البيت لقضائها 19 عاماً تحت قبّة البرلمان، وهي أطول مدّة قضتها امرأة في البرلمان النيوزلندي. تشغل حالياً منصب مديرة برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي.
تسلّمت ميشيل باشيليه مقاليد السلطة الرئاسية للمرة الثانية عام 2014 في تشيلي، من رئيسة مجلس الشيوخ إيزابيل الليندي. وعادت باشيليه إلى الحكم في البلاد بعد قضائها فترة في الأمم المتحدة على رأس ائتلاف سياسي يساري معتدل. عملت في تشيلي على مواجهة التمايز الاجتماعي من خلال تنفيذ مشاريع إصلاح واسعة في نظام التعليم والصحة وإصلاح النظام الضرائبي. كما واجهت برلماناً مشاكساً وحركة طلابية نشطة، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، التي تتحدّر من أصول شيوعية وفية للنظام الشموليّ الغابر. وصفتها الصحيفة الأميركية "The New American" بأنّها "رضيع بحفاظات حمراء"، وابنة لشيوعيين خالصين، وعلى الرغم ممّا نشرته الصحف الغربية، إلا أنّ بوكوفا هي المرشّح الرسمي للحكومة البلغارية، وربّما ذات الحظوظ الأوفر للفوز بمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، أخذًا بالاعتبار رضا كلّ من البيت الأبيض والكرملين، ولاعبين دوليين آخرين، على ترشيحها، عدا عن أدائها الجيّد مديرة لمنظمة اليونسكو. وقد أبقت بوكوفا على عضويتها للحزب الاشتراكي البلغاري خلف الحزب الشيوعي، وكانت قد أنهت دراسة العلاقات الدولية في معهد موسكو الحكومي العالي، وشغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة جان فيدنوف الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي. ويعود الفضل في فوزها بمنصب مديرة اليونسكو إلى دعم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المباشر، حسب الصحيفة.
عدا عن الشخصيات المذكورة، تبقى إمكانية البحث عن شخصيات أخرى من الجنسين قائمة، قادرة على إرضاء توجّهات اللاعبين الكبار ورغباتهم، خصوصاً وقد علا نجم روسيا، بعد تدخّلها الأخير في الملف السوري، ورفْع بوتين لعلم الخلاص ومكافحة الإرهاب والمدّ الإسلامي في أوروبا، الأمر الذي راق لدولٍ عديدة.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح