طبّق الشريعة من فضلك

15 أكتوبر 2015
+ الخط -
سكنتُ في حي عثمان باشا مع شاب كردي ظريف، يشبه الممثل الهندي أكشاي خان. اسمه نوري. كان خياطاً، ويوالي اليسار الكردي ويعادي أردوغان، وهذا شائع لدى أولياء الحداثة، لكن الغريب أنه يصلي! كان يعود مساءً مجهداً من العمل الشاق، ويصلي الصلوات الخمس مرة واحدة، بسرعةٍ وجمعاً، كل سجدتين يدغمهما بسجدة واحدة، ثم يمدُّ الفراش، ويطلب مني إنشاء حساب سكايب جديد له، لأنه نسي كلمة سرِّ الحساب السابق، حتى اضطررت إلى تسجيل كلمات سرِّ حسابه على دفتري، وهو، حتى الآن، يتصل بي عبر القارات طالباً، على "فيسبوك" إنشاء حساب جديد له.
عاد مرة ومعه امرأتان، وقام بالواجب، ودعاني إلى المشاركة في "الوليمة" فاعتذرت، فأحس بالحرج، وتعلل بالحاجة: لم أعد أتحمل يا خال، الجوع جوعان؛ جوع ما فوق الزنار، وجوع ما تحته، وهو أشدُّ وأنكى.. أخليت له الغُريفة من أجل الخلوة غير الشرعية مع عاهرتين في وقت واحد! خرجت مع الحاسوب إلى المطبخ الصغير في العشة الصغيرة، فوق السطح.
انهمك في التهام الوجبتين التركيتين، تابعت عملي بوضع "اللايكات" لأصدقائي على بطولاتهم الكاذبة في "فيسبوك"، دخلت بعد نصف ساعة إحداهن، وهي "لابسة من غير هدوم"، كانت تلبس غلالة شفافة، مثل شبكة العنكبوت، العناكب تأكل ذكورها أكلاً لمّـاً، وتفترسهم. أعدّت الشاي أمامي، ورحت أخلط، وأضع اللايكات للمؤمنين والكفار، الأخيار والأشرار! قالت شيئاً بالتركية، لم أفهمه، ولو قالته بالعربية لما فهمت، فالفهم صار له أجنحة وطار، ثم عرفتني على نفسها، وقالت "أكجا".. أهلاً يا سيدة أكجا. مضت تحمل الشاي. وقتها تعطلت شبكة "فيسبوك" في عدة دول بسبب لايكاتي الكافرة. بعدها دخلت زميلتها، كانت ترتدي غلالةً مثل شبكة بيت العنكبوت، شفافة، لو ارتدتها حكوماتنا الغامضة لكنّا بألف خير. عرّفتني بنفسها، وقالت إنّ اسمها "فيجان".. تشرفنا يا سيدة فيجان. كانت أكثر حشمة من زميلتها، لأنها كانت ترتدي البكيني المحدث (خيطان تتوسطهما كفة مقلاع) تحت الغلالة.. انتهت ساعات العسل برنين الهاتف، فاتخذتها ذريعة، وأفسدتُ ساعات العسل حسداً، فقرعت الباب، وأبلغت نوري أنّ الحجي سيزورنا بعد صلاة العشاء، وسيسرُّه أن يطردك إلى كانتون الإدارة الذاتية.. فارتعد نوري، فهو يخاف من الحجي خوفاً شديداً، فهو صاحب الدار. نوري لا يحب الإدارة الذاتية، على موالاته لها. وخلال نصف ساعة، كان يقبّل المرأتين قبلات مثل قبلات فريد شوقي لناهد شريف في فيلم "وتمضي الأيام"، ودّعهما على الباب، وعاد وتمدد، بينما هرعت إلى الشرفة أودع المرأتين بناظري، تحدوني مشاعر غامضة. عدتُ إليه، كان منهكاً، وكأنه عبر "المانش" سباحة، ثم طلب مني طلباً غريباً، وقال: أقم عليّ الحد!
- أي حد، ثمالة روحي؟
- حد الزنا يا خال.. عجل أريد أن أغتسل وأصلي.
أحضرت حزامي بحزم متشوقاً للانتقام، تمدّد على بطنه، لاحظ شيئاً، وقال: خال هذا حزام داعشي.. هذا سيقتلني.. خذ اجلدني بهذا الحزام، وسلّ حزامه الحريري الفخري الرقيق من وسطه.
- ألن تخلع كنزتك الشتوية يا ثمالة روحي؟
- لا.. خال... سيوجعني الجلد إذا خلعت الكنزة.
بدأتُ نكال العقاب بجلدة قوية.
- خفف خال .. وجعتني .. أنت صاير داعش
صار يعدّ وأنا أجلد. لم يكن جلداً، كان ما يشبه كشاً للذباب، عدّ حوالى عشر جلدات، ثم نام مثل طفل صغير هدهدته أمه، لسعته لسعة قوية، فقام وهو يقول: ثمانين.. ثمانين .. سلمت يداك خال.
- لم نعد سوى عشر جلدات يا ثمالة روحي.
- الله غفور رحيم خال.
نام من غير صلاة أو غُسل. وكان صادقاً في قوله.
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر