حين تسخر إسرائيل من تهديدات القيادة الفلسطينية
في وقت ينتظر فيه الشعب الفلسطيني صدور قرارات وعد بها مسؤولون فلسطينيون، بعد استشهاد الوزير وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، زياد أبو عين، والذي لم يستشهد وهو يحمل حزاماً ناسفاً، أو بندقيةً ليطلق النار على الاحتلال والمستوطنين، بل وهو يحاول غرس شجرة زيتون على أرض فلسطينية محتلة في العام 1967. وذلك انسجاماً مع الشعار الذي يرفعه الرئيس أبو مازن، ليل نهار، ويدعو إلى المقاومة السلمية فقط.
جاء استشهاد زياد أبو عين فيما تشهد المنطقة انهياراً شاملاً لما يسمى العملية السياسية، وفي ظل حالة فلسطينية متردية على كل الأصعدة، وخصوصاً اتساع الفجوة بين الشارع الفلسطيني وقيادة السلطة، لعدم نجاحها في تقديم إجابات مقنعة للمواطن الفلسطيني حول سبل مواجهة المرحلة الحالية، بكل جوانبها، ما دفع شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني إلى الشعور بحالة من الإحباط واليأس، سواء إزاء سياسات الاحتلال وجرائمه، أو من السلوك الفلسطيني الرسمي غير المقنع وغير المفيد.
بدلاً من أن تشكل حادثة استشهاد الوزير أبو عين رافعة جديدة للسلطة الفلسطينية ولحركة فتح ولمنظمة التحرير، بالانقضاض والثورة على كل ما هو قائم، والإعلان عن بداية جديدة ومختلفة كلياً عن المرحلة القائمة، وخصوصاً في إعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل لإعادة بناء الثقة المفقودة والغائبة لدى شرائح واسعة، أصبحت تشكل محطة إحراج للقيادة، والتي لم تتخذ القرارات التي وعد بها مسؤولون في السلطة وقادة في فتح، ما يشير إلى أن هنالك حالة من عدم الانسجام بين هذه القيادة حول ضرورة السير قدماً، أو أن ضغوطاً دولية وعربية وإسرائيلية تمارس عليهم، لمنعهم من بلورة تلك القرارات. وبينما كان المواطن الفلسطيني ينتظر صدور تلك القرارات الموعودة، خرج وزير الجيش الإسرائيلي، موشي يعالون، ساخراً كثيراً من التهديدات الفلسطينية، ووصفها بأنها أوهام موجهة للمواطن الفلسطيني لتنفيسه. وقال إن السلطة لم ولن توقف التنسيق الأمني، وإن أصدرت قرارات بهذا الخصوص، فستكون مرحلية وتكتيكية، ولفترة بسيطة، كون السلطة تحتاج إلى التنسيق الأمني كحاجة إسرائيل إليه، وثمة الكثير مما ستخسره السلطة في حال قررت وقف التنسيق الأمني، وترجمته عملياً.
لم يعد الشعب الفلسطيني بحاجة إلى خبراء ومحللين ليقنعوهم بأن المستفيد الأول والأخير من بقاء التنسيق الأمني هو الاحتلال ومشروعه الاستيطاني، وأن الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت سيطرة أقسى وآخر احتلال في التاريخ. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن المصلحة الإسرائيلية من استمرار التنسيق الأمني لا تقتصر على تبادل المعلومات ومنع كل أشكال المقاومة في الضفة الغربية، وضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنما المصلحة الإسرائيلية في بقاء الأمور على حالها، لأن إسرائيل ترى أن وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني يعني إعادة الروح والثقافة والهوية الوطنية إلى هذه السلطة، خصوصاً أن إسرائيل لا تريدها سلطة وطنية نهائياً، ولا نواة مشروع تحرر وطني، بل تريد إظهار السلطة أمام شعبها مقاولاً أمنياً للاحتلال، لتعميق الإحباط واليأس منها ومن أدائها. لذلك، ستعمل إسرائيل على تجنيد كل أصدقائها في المنطقة والعالم، ومنهم أنظمة عربية، للضغط على السلطة، لمنع وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما أن الأخيرة ترى في ذلك بمثابة ضوء أخضر للفصائل والقوى، وأولها حركة فتح، لتنفيذ عمليات ضدها.
تزيد تصريحات وزير الجيش الإسرائيلي حالة الإحراج والإرباك للسلطة ولقيادة منظمة التحرير، لكنها، في الأصل، يجب أن تشكل لها حافزاً سريعاً ومبرراً قوياً لاتخاذ تلك القرارات التي ينتظرها الفلسطيني، بل إن الرئيس أبو مازن أصبح، الآن، مطالباً باتخاذ قرارات تعبر عن رؤية لمشروع متكامل جديد، بعد فشل المشروع الحالي. وليس اتخاذ قرارات وخطوات هنا وهناك.
الرد الطبيعي على الاحتلال وجرائمه، ومن جديدها قتل الوزير زياد أبو عين، يتمثل في الإقدام على خطوات سريعة، بشأن ترتيب البيت الفلسطيني، وخصوصاً إعادة اللحمة الوطنية والبدء الفوري في إعادة إعمار غزة التي دخلت في مرحلة قاسية، لم يعد المواطن الفلسطيني الغزي قادراً على الاستمرار فيها. إضافة إلى ذلك، أصبح الوضع الداخلي لمنظمة التحرير والسلطة يشكل عبئاً ومصدر إحباط للشعب الفلسطيني، وخصوصاً ما شاهدناه، في الايام الأخيرة، من مناكفات مسيئة، أظهرت عدم وجود مؤسسة فاعلة، وتظهر كيفية اتخاذ القرارات الوطنية، كما أن العلاقة مع إسرائيل يجب أن تعود إلى سياقها الطبيعي والصحيح، على أساس أن إسرائيل جزء من الحركة الصهيونية الاستعمارية الإحلالية العنصرية، وبالتالي، إعادة سحب وإلغاء الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل، ما لم تعترف بدولة فلسطين، جنباً إلى جنب مع تصعيد المقاومة مع الاحتلال ومستوطنيه، وتحويله إلى مشروع خاسر بشرياً واقتصادياً وسياسياً.
على الصعيد الدولي، لم تعد سياسات ربط المسارات أمراً مقنعاً، فلا يجوز ربط التوجه إلى المحاكم الدولية بما سيحدث مع التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن. لذلك، بات مطلوباً من القيادة أن تتحرك على الأصعدة بالتوازي، وليس بالتدرج، سواء على الصعيد الداخلي أو العلاقة مع إسرائيل أو التوجه السياسي والقانوني لمجلس الأمن وللمؤسسات الدولية كافة. أخيراً، أرى أن خطوة هنا، وخطوة هناك، لم تعد مقنعة نهائياً للمواطن الفلسطيني، بل مشروع كامل ومتكامل، من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابه، وغير ذلك سيؤدي إلى زيادة الإحباط واليأس لدى فلسطينيين كثيرين، ما ستتم ترجمته في زيادة التطرف ووقوع ردات فعل عنيفة ونوعية، قد لا تتمكن السلطة من تحمل تبعاتها ونتائجها.