هند صبري وترف البحث عن الذات

14 فبراير 2022
+ الخط -

الفنانة التونسية هند صبري من أهم نجمات السينما المصرية في وقتنا الراهن، إلى جانب عدد من الممثلات الجادّات الملتزمات. تتمتع بالذكاء والموهبة الفطرية والحضور الجميل والكاريزما التي أهّلتها، منذ بداية مشوارها الفني، للوقوف بجدارة أمام عمالقة الدراما المصرية، من أمثال عادل إمام وسوسن بدر وغيرهما، وكذلك المشاركة في أفلام كثيرة، مثل "عمارة يعقوبيان" و"بنات وسط البلد"، و"مذكرات مراهقة"، و"أسماء" وغيرها من أفلام كثيرة متميزة لعبت فيها باقتدار بطولة مطلقة، إضافة إلى مشاركتها أدواراً رئيسية في مسلسلاتٍ لاقت نجاحاً جماهرياً كبيراً، وكرّسها نجمةً لا يشق لها غبار في عالم الدراما، ساعدها في ذلك إتقانها الشديد للّهجة المصرية، وتجسيدها ببراعة في أعمال عديدة شخصية الفتاة المصرية البسيطة الأصيلة.
تتميز هند صبري بثقافة عالية، وهي الحاصلة على الماجستير في حقوق الملكية الفكرية. وهي، في العموم، نجمة محبوبة ومحترمة من الجمهور العربي، ولا سيما بعد نجاحها الباهر في أدائها شخصية علا في مسلسل "عايزة أتجوز"، وهو عمل درامي اجتماعي كوميدي، أدّت فيه هند دور الفتاة المصرية المكافحة الجدعة المتعلمة، الطامحة إلى العثور على زوج مناسب. وقد حقق العمل آنذاك نجاحاً وشهرة واسعة. أثبتت هند براعتها في أداء الأدوار الكوميدية بتلقائيةٍ وخفة ظل تحسب لها.
استثمرت الممثلة الطموحة نجاح المسلسل ذائع الصيت، وخاضت مغامرة إنتاج جزء ثانٍ لمسلسل من ست حلقات، بعنوان "البحث عن علا"، عرض أخيراً على منصّة نتفليكس، وأثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي. نال إعجاب بعضهم، غير أن الأكثرية الساحقة عبّرت عن خيبة أملها، بل شنّت هجوماً عنيفاً على الممثلة، لظهورها في آخر مشهد ببدلة رقص. وعاتبها بعضهم قائلاً: لم نعتَدكِ في مثل هذه المشاهد. والحق أن المشهد المغضوب عليه جاء في سياق درامي له ما يبرّره، ولا يمكن، في أي حال، اعتباره مبتذلاً، لأنه جاء، بحسب رؤية المخرج، بغية التعبير عن نيل المرأة المقموعة إحساسها بالتحرّر من قيود كثيرة، غير أن العمل برمته كان ضعيفاً من ناحية الحبكة الدرامية المفتعلة المحملة بمقولاتٍ وعظية مباشرة، أخفقت في إقناع المتلقي بجدّية قضية المرأة المطلقة التي تعاني الأمرّين في مجتمعٍ يصادر حقها في مواصلة حياتها واتخاذ قراراتها، في معزلٍ عن الوصاية الأبوية. أثار التحوّل الجذري الذي طرأ على شخصية علا حفيظة المتلقي، فلم نعثر على تلك البنت الشقية الذكية غير المتكلفة، ابنة عائلة مصريةٍ بسيطة أحببناها وتفاعلنا معها في مسلسل "عايزة أتجوز"، وقدّم لنا، عوضاً عنها، شخصية "مؤمركة" أكثر مما ينبغي، فيها كثير من التغريب والتصنّع والمبالغة. وكان في وسع صنّاع العمل البناء بشكل جدّي مدروس على العمل الأصيل ومعالجة قضية المرأة ومعاناتها في مجتمعاتنا العربية بشكل أكثر عمقاً وتأثيراً وواقعية، غير أن ذلك لم يحدث للأسف، وذلك لإصرارهم على تقديم فئةٍ لا تمثل إلا فئة قليلة مترفة، لا تكاد تذكر، فكان التركيز على البيوت الفارهة والملابس الفخمة، وإقحام اللغة الإنكليزية في الحوار تعبيراً عن أرستقراطية واغتراب حقيقي عن نبض الشارع، حيث المعاناة والفقر والقهر. وذلك لم يرُق كثيرين من محبّي هند صبري. وعلى الرغم من أن العمل مسلٍّ وممتع كما رآه بعضهم، إلا أنه يمكن القول إن إمكانات هند صبري وكذلك سوسن بدر التي لعبت دور الأم، أكبر بكثير من هذا العمل الصغير والعادي، الذي لم يخلُ من استعجال وتسطيح، وتبديد فرصة ثمينة لتقديم نماذج نسوية عربية حقيقية، والغوص أكثر في قضاياهن التي تتجاوز ترف البحث عن الذات في أجواء باذخة إلى البحث عن لقمة العيش والحياة الحرّة الكريمة التي حُرمن إياها، في مجتمعاتٍ معادية، يعدّ فيها اضطهاد المرأة والحط من شأنها ركناً أساسياً في ثقافتها الجائرة!

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.