"نوبل" تجدّد عوالم كافكا

14 أكتوبر 2024

الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ في مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب (17/8/2016 Getty)

+ الخط -

فازت الكورية الجنوبية، هان كانغ، بجائزة نوبل للآداب للعام الحالي 2024. وقد عُرفت أكثر بروايتها "النباتية" المقروءة في مختلف اللغات، منها العربية بترجمة محمود عبد الغفور (دار التنوير، 2018)، وهي رواية تميل إلى العتمة الكابوسية، ما يذكّرنا بعوالم الكاتب التشيكي صاحب التأثير الواسع فرانز كافكا الذي استطاع أن يستجلب متعة القراءة من خلال تعتيم الواقع وابتكار أفكار جديدة لم يجر التطرّق إليها قبله، كما في روايته الأشهر "التحوّل"، حين استيقظ بطلها من النوم ليجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرة. ... تستقي "النباتية" التي أهلت كاتبتها لجائزتي مان بوكر عام 2016 ثم نوبل للآداب، تستقي هي الأخرى مادّتها من عوالم الأحلام والكوابيس، حين تستيقظ بطلة الرواية على حلم مزعج تقرّر على إثره أن تتحوّل إلى كائن نباتي يرفض أكل كل شيء حي، بما فيه السمك. يتناوب سرد عوالم الرواية وأجوائها ثلاثة رواة، ليست بينهم البطلة! التي لا نسمع لسانها في الرواية إلا في فقرات متباعدة، وهي تتحدّث عن تفاصيل جديدة لحلمها الكابوسي الذي يصوّر لها الحيوانات التي أكلتها من قبل، وكأنما جاءت لتنتقم منها.

السارد الأول زوجها الذي عانى الأمرّيْن من تصرّف زوجته المفاجئ حين صحا من النوم، ورأى محتويات ثلاجة المنزل من اللحوم وقد جمعت في أكياس زبالة. ثم حين شعر بالإحراج خارج المنزل في دعوات عشاء مع رفقاء العمل، ليُفاجأ بصمت زوجته وامتناعها عن أكل الطعام والمشاركة بالحديث، ثم ذبولها وشحوبها مع الوقت، نتيجة هذا الخيار المفاجئ الذي لم تقرّره نتيجة ميل صحي يتعلق بإنقاص الوزن أو التخلص من بعض العادات الشرهة في الطعام، إنما نتيجة حلم مزعج. يضطرّ الزوج للالتجاء إلى أفراد عائلة زوجته الذين يهرعون لمعاتبة ابنتهم وتعنيفها، ويقرّرون أن يحشروا قطعة لحم بالإكراه في فمها، ولكن كل تلك المحاولات تفشل. الرواي الثاني هو زوج اختها الكبرى، وهو فنّان مهووس بالإثارة والعري ورسم الورود على الأجساد، تكتشفه زوجته بأنه يحاول أن يغرّر بأختها تلبية لرغباته الجنسية المريضة، فتتهمه بالجنون، وتسعى إلى حجزه في مصحّة عقلية، بعد أن تنفصل عنه. السارد الثالث أختها الكبرى التي تتميز بالعطف على أختها، حيث ترعاها، وتستجيب لرغباتها، حتى بعد أن قرّرت الأخيرة الامتناع حتى عن الأكل النباتي، وتكتفي بالماء في رغبة غامضة، لكي تتمكّن من أن تتحوّل مع الوقت إلى شجرة!

يبدأ كل تحوّل من الداخل، ربما هذه الفلسفة الخفية للرواية ذات الأحداث والتفاصيل التي لا تخلو من متعة. كان مصدر تحوّل بطلة رواية "النباتية" عالم الأحلام والكوابيس. والفكرة المبتكرة التي لجأت إليها الكاتبة بالحديث عن هذا التحوّل من خلال هاجس يتعلق باحتجاج ما أكلناه من لحوم طوال حياتنا إذ سينهض يوماً ليحاكمنا. يمكن أيضا اكتشاف أن الكاتبة ربما استفادت من عالم الحكايات الشعبية الكورية الجنوبية لنسج روايتها وتمديد عوالمها.

من الملاحظ أن جائزة نوبل بعد أن منحت عام 2016 للمغني الأميركي بوب ديلان، حين أثار حصوله على جائزة نوبل للأداب لغطا كثيراً، كونه قادماً من ساحة غير ساحة الأدب، ساحة لديها هي الأخرى جوائزها الفنية، كما لديها جمهورها، بيد أن لدى ديلان أيضا دواوين شعرية غنائية. صارت بعدها الجائزة تميل إلى ما يشبه الإثارة، لتتجاوز الكتّاب المتحققين، وتبحث عن أسماء مفاجئة. حصل أمر مشابه مع حصول الفرنسية آني أرنو التي فازت بنوبل 2022، حيث اتهمت بأنها لم تكتب رواية في حياتها، بل قصصا طويلة أو "نوفيلات". يظل جدل "نوبل" مفتوحاً ومثيراً، خاصة حين تتجاوز قامات الأدب الكبيرة، كما حصل مع إسماعيل كادريه وميلان كونيرا وأدونيس، وقبل هؤلاء اليوناني نيكوس كازنتزاكس، لتنحاز إلى المفاجأة الأقرب إلى الإثارة، حين تمنح لكاتبة كورية جنوبية في منتصف العمر، وما زالت في أوج عطائها، وليس في نتاجها سوى روايات قليلة، وكأنما أرادت الأكاديمية السويدية للجائزة بهذا الاختيار أن تفنّد مقولة الأديب الأيرلندي الساخر، برنارد شو، حين رفض الجائزة قائلا: "هذه الجائزة أشبه بطوق نجاة يلقى به إلى شخص وصل إلى برّ الأمان".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي