في محبّة قاسم حدّاد
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
استحقّ الشاعر البحريني قاسم حدّاد الفوز بجائزة الأركانة العالمية للشعر (جائزة تقديرية أدبية وثقافية تمنحها سنوياً جمعية بيت الشعر في المغرب بالتعاون مع مؤسّسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير ووزارة الثقافة المغربية) للعام 2024، التي أعلنت أخيراً، نظراً إلى تجربة حدّاد العريضة شعرياً وثقافياً، وتنوّع اشتغالاته وأناقتها الشكلية. لو نقف فقط عند موقع "جهة الشعر"، الذي حمل أهمّية كبيرة لجميع قرّاء العربية في وقته، وحتّى بعد توقّفه صار منصّةً ومرجعاً للبحث، فكان يستكتِب يومياً في مختلف زواياه، وينشر قصائدَ جديدةً، وكتباً ولقاءات وترجمات ودراسات. قاسم حدّاد (أبا طفول كما يُحبّ أن يكنّى) عرف بحميميته وأبوته الظاهرة. أتذكّر في بداية التسعينيّات كنت في البحرين، وحين حضرت أمسيةً لأسرة الكتّاب البحرينيين، وقع خلاف بين اثنين من المثقّفين كاد أن يتحوّل نزاعاً، لولا تدخّل حدّاد بصوته الأبوي الدافئ، ليتحوّل الموقف رأساً على عقب من الحدّية إلى الليونة.
وحين زار قاسم حدّاد عُمان في التسعينيّات أيضاً، كنت بصحبته في رحلة إلى الجبل الأخضر، وكان في الرفقة أيضاً سعدي يوسف وأمجد ناصر وناصر العلوي وسركون بولص. كان حدّاد مهتماً بالتفاصيل، واستوقفه مشهد بقايا الطائرة البريطانية التي أسقطها الثوار ذات زمن بعيد. ويقال إن الذي أسقطها طفلةٌ كانت تختبئ في كهف ومعها بندقية، وربّما أصابت مكاناً حسّاساً في الطائرة أرداها. وحين تتبّع المهاجمون مصدر صوت تلك الطلقات اليتيمة يطلقون أعيرة نيرانهم، وجدوا فتاةً مسجّاةً في كهف تحتضن بندقيتها. قصص كثيرة وحكايات استوقفت قاسم حدّاد، ضمنها ما سمعه من والده عن حكايات السحر العماني، خاصّة في ولايتي نزوى وبهلا. وقد كتب شيئاً من ذلك في دفاتر مذكّراته المنشورة.
كانت بداية حدّاد في السبعينيّات مع ديوان" البشارة"، في وقت لم يكن في الخليج أيّ كتاب شعري حديث، بل كان النمط الكلاسيكي هو السائد، كان قاسم يكتب قصائدَ تفعيلةٍ حينها مفعمةً بالتاريخ والأحلام والأساطير، وكذلك نداءات التحرّر والصوت القومي العربي، إذ عرف عنه خطّه النضالي اليساري في بدايات حياته، الأمر الذي انعكس واضحاً في النبرة الخطابية لدواوينه الأولى. هذا الخطّ التفعيلي ما لبث أن تخلّى عنه في دواوين الثمانينيّات مع شيوع قصيدة النثر، وهنا جاءت قصائده محلّقة تهتم باللغة والرؤى أكثر من اهتمامها بالتفصيل وإيقاع الحياة. يتميّز حدّاد أيضاً بالجدّية والصرامة في حياته، فهو لا يضيّع وقته سدىً. لاحظت ذلك في اللقاءات المحدودة التي التقيته فيها، فلا يبدّد مع الأصدقاء إلا القليل من الوقت بما يسمح بتجديد العلاقة. يشبه في ذلك الناقد والأكاديمي سعيد يقطين الذي إذا أعطاك عشر دقائق من وقته في مقهىً بشارع فال ولد عمير في الرباط فأنت محظوظ.
سخَّر حدّاد أيضاً قسماً من وقته لمزاولة أنشطة ثقافية شتّى، وكذلك شعرية. فلا يمكن أن ننسى أيضاً المجلة التي أنشأها قديماً "كلمات"، بأعدادها الثَّريّة، وكم كنّا حريصين نحن الطلبة على اقتنائها ومتابعتها، بل إن كاتب هذه السطور يحفظ مقطعاً معبّراً لقصيدة مترجمة للشاعر اليوناني ريتسوس عن الحرب، كانت منشورةً في أحد أعدادها في الستينيّات: "مثل قطعة خبز سوداء/ تتأرجح بين الأمواج/ وقت كان الناس يجوعون / تلكم هي الحرب".
اهتمّ قاسم حدّاد بالمسرح والغناء والفنّ التشكيلي، وتوزّعت اهتماماته الشكلية الأنيقة أيضاً لتطاول الشعر العذري والشعر الجاهلي. الفنّان البحريني خالد الشيخ انتبه إلى جاذبية كلمات حدّاد وصلاحيتها الغنائية، فدبج بذلك مجموعةً من الأغنيات، وأطلقها في الفضاءات بصوته العذب، في أغانٍ حملت عناوين قصائد حدّاد، مثل "مكان آمن للحُبّ"، و"صباح الليل"، و"تسألنا أيها المجنون".
جاء في بيان لجنة التحكيم لجائزة الأركانة: "الشاعر قاسم حدّاد علامة مضيئة في سجلّ الشعر العربي والإنساني، أسفر منجزه الإبداعي، الذي يمتدّ منذ سبعينيّات القرن الماضي إلى اليوم، عن أزيد من أربعين ديواناً وكتاباً، علاوة على حضور وازن في الحياة الثقافية والأدبية".
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية