ممنوع التدخل في جرائمنا الداخلية!

01 ديسمبر 2020
+ الخط -

ألقت السلطات المصرية القبض على ثلاثة نشطاء في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري: جاسر عبد الرازق، وكريم عنّارة، ومحمد بشير، لينضموا إلى زميلهم، عضو فريق المبادرة، باتريك جورج زكي، المحبوس احتياطيًا منذ فبراير/ شباط الماضي، وذلك في إطار الحملات الأمنية المستمرة، منذ مجيء عبد الفتاح السيسي، لإنهاء "فكرة" المجتمع المدني في مصر، مبناها ومعناها، وتحويلها إلى ديكور.
تعد المبادرة من أهم المؤسسات، غير الحكومية، التي تهتم بالحقوق والحرّيات الأساسية في مصر، وتشتغل على ملفات العدالة الاقتصادية والاجتماعية والجنائية، وتتعاون مع مثيلاتها في دول أخرى، تتشابه في مشكلاتها وأزماتها مع مصر، وهو ما يعني لدى "البشر الطبيعيين" تبادل الخبرات والدعم، لكنه لا يعني عند السيسي وأجهزته سوى أنهم متآمرون على الدولة، وإرهابيون، وهو ما تروّجه الآن مواقع وقنوات تابعة للنظام.
لا يستطيع النظام المصري التفريق بين منظمات حقوقية تعمل لصالح مجتمعاتها وأخرى يجري استغلالها للضغط السياسي. كما لا يستطيع التفريق بين المعارضة السياسية والحرب، فهو، في الحالتين، يخوض حربا، فيقتل، ويختطف، ويعتقل، ويُخفي قسريا، ويشرّد آلافا، بدعوى أنه في "حالة حرب"، يخوضها ضد كل من يثبت، أو يشتبه، في أنه ليس معه، باعتباره هو وحده الوطن، سواء كان المعارض ممارسا العنف أو ممارسا السياسة، خصما حقيقيا أو مؤيدا على طول الخط، لكنه اختلف في نقطة، في ملف، في عبارة، في بوست، في مكالمة تليفونية مع زوجته، كان يظنها سرّا، فإذا بأجهزة الأمن تشاركهما بالرصد والتسجيل والتحليل والتسريب إذا اقتضى الأمر.
تتعاون المبادرة مع منظمات مماثلة في كينيا وجنوب أفريقيا والفيليبين والهند والأرجنتين والبرازيل وكولومبيا، فمن في هذه الدول يريد أن يتآمر على مصر، أو السيسي، أو النظام؟! جميعها دول "تعبانة" مثلنا، تستفيد المبادرة من خبرات هذه المنظمات في مواجهة مشكلاتٍ قريبةٍ من مشكلاتنا، وتساعد، بقدر إمكاناتها، في ملفاتٍ هامة وفعالة، يراها أي مواطن عادي ملفاتٍ تخصّه، ويرى جهد المبادرة فيها عملا وطنيا، فيما تراه الدولة خيانة!
أبرز محطات الخيانة، وفق تعريف قبيلة السيسي، كانت مشاركة المبادرة في صياغة قانون التأمين الصحي الحكومي الذي جرى إقراره العام الماضي، والذي جرت بعض اجتماعاته في مقر المبادرة المصرية! ولم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يتعاون أعضاء المبادرة فيها مع "نظامٍ" يلاحقهم ويعتقلهم ويشوههم، بل سبقتها مشاركاتٌ أخرى، في ملفاتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ تتقاطع فيها توجهات الحكومة مع أنشطة المبادرة.
بدأت المبادرة في العام 2002، وكان ملف الصحة أحد أبرز اهتماماتها، الحق في الصحة، الحق في العلاج المجاني، الحق في الدواء الرخيص، لم تكن مجرد شعارات، أو تصريحات ووعود مجانية، بل برامج، ومشروعات، ومعارك، امتدت إلى ساحات المحاكم. ولم تكن طبعا مؤامرات، وفق التصور الكوميدي للدولة، فالمطالبة بالتأمين الصحي للمواطنين ليست مؤامرة. المؤامرة الحقيقية هي خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي، وهو ما أرادته الدولة المصرية، وشرعت في خطواته الأولى، في العام 2007، فتصدّت لها المبادرة المصرية، ورفعت قضية أمام القضاء الإداري ضد وزير الصحة، وقتها، حاتم الجبلي وكسبتها، وهي واحدةٌ من معارك قانونية كثيرة خاضتها المبادرة، منها أيضا معركة مكافحة غلاء أسعار الأدوية، وتحديد سعر اجتماعي عادل للدواء. وكانت آخر إسهاماتهم، بالتعاون مع شركاء لهم، محاولة صياغة مشروعٍ مفصّل لتعليق اتفاقية حقوق الملكية الفكرية في مجال الدواء على أي لقاحٍ ضد فيروس كورونا، ناهيك عن نشاطاتهم في ملفات العدالة الجنائية والرقابة على منظومة إنفاذ القوانين في مصر من محاكم ونيابة وسجون وأقسام شرطة وأماكن احتجاز. .. الآن هم في السجن، بتهم الانضمام لجماعة إرهابية، لأن وفدا غربيا زارهم، بشكل معلن، للتحدّث عن حقوق الإنسان في مصر، وهو ما يعني فضيحة للنظام. والحل، ليس تعزيز حقوق الإنسان في مصر، بل سجن واعتقال كل من يطالب بها، وإصدار بياناتٍ شديدة اللهجة تطالب بعدم التدخل في جرائمنا الداخلية!

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان