ما ينتظرنا في 2024
كان لافتا في منتدى الدوحة الذي عقد بين 10 و12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إشارة السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام إلى أن سنة 2024 ستكون مفصلية للمنطقة والعالم. من غير الواضح ما إذا كان غراهام يستند في كلامه هذا الى معطياتٍ، بحكم منصبه الذي يشغله في مجلس الشيوخ منذ أكثر من 20 عاما، أم أن ذلك مجرّد تقدير شخصي من عندياته. مع ذلك، تفيد تطوّرات العام المنصرم المستمرّة بأن العام 2024 قد يكون بالفعل مفصليا للمنطقة والعالم، ففي منطقتنا تستمر جملة من الصراعات المرشّحة للتصعيد بفعل الحرب الإسرائيلية القائمة على غزة منذ ثلاثة شهور، تشمل لبنان الذي يستمر وضعه الاقتصادي والسياسي في الانهيار على وقع فراغ رئاسي قائم منذ أكثر من عام، واليمن الذي دخل على خط الصراع العربي - الإسرائيلي بفعل الهجمات الحوثية على خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، والردّ الغربي الذي يتصاعد على ذلك، ما يهدّد عملية السلام الهشّة التي بدأت بهدنة إبريل/ نيسان 2022، وصولا إلى مسوّدة الاتفاق السعودي - الحوثي أخيرا، وتأثيرات ذلك المحتملة على اتفاق بكين الذي خفّض التوتّر بين السعودية وايران في مارس/ آذار الماضي، وهناك طبعا سورية التي تتصاعد فيها حروب الوكالة بين إيران وحلفائها من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة ثانية، وفوق ذلك كله يقبع ملف إيران النووي الذي يشهد توترا واضحا على وقع حرب غزّة بعد إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرّية تقريرا مهما، الأسبوع الماضي، يتّهم ايران بتسريع تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%.
باتت كل هذه الملفّات مرتبطة بحرب غزّة ونتائجها المحتملة، والتي ستكون لها تأثيرات عميقة عليها جميعا، لكن المنطقة المرشّحة أكثر من غيرها لتكون مسرح تصعيد كبير خلال 2024 هي لبنان، حيث تتزايد، مع انتقال إسرائيل إلى المرحلة الثالثة من حربها على غزّة وسحب جزء مهم من قواتها هناك، احتمالات شنّ عمل عسكري كبير لإبعاد حزب الله عن الحدود إذا فشلت الجهود السياسية في تحقيق هذا الغرض، فإسرائيل لن تقبل، على الأرجح، أن تبقى تحت احتمال حصول 7 أكتوبر/ تشرين الأول جديد على حدودها الشمالية، حتى وإن كانت كل التقديرات تفيد بأن حزب الله غير معني بأي تصعيد ضد إسرائيل ما لم تتعرض إيران لهجوم كبير.
بعيداً عن المشرق العربي، ينبغي خلال العام المقبل مراقبة تطورات جملة من الصراعات التي تشهدها منطقة أفريقيا العربية، خصوصا في ليبيا والسودان، فضلا عن انعكاسات الوضع الداخلي في إثيوبيا على ملف سد النهضة والنزاع حول مياه النيل مع مصر والسودان.
عالميا، يعد 2024 عاما انتخابيا بامتياز، إذ يشهد 40 بلدا انتخابات رئاسية أو تشريعية، تنطلق هذا الشهر (يناير/ كانون الثاني) في تايوان، ويرجّح أن تكون لنتائجها تداعيات مهمّة على علاقتها مع الصين إذا فاز القوميون، كما هو متوقّع. ستشهد الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا والهند أيضا انتخابات مفصلية ستكون لها انعكاساتٌ كبرى. ففي الولايات المتحدة، يسيطر شبح عودة ترامب إلى البيت الأبيض، رغم كل العقبات التي تواجهه في ساحة القضاء، على الحياة السياسية في أميركا والعالم، ويرجّح أن تتردد أصداؤها في القارّات الخمس، كما حصل في ولايته الأولى، بدءا من أوروبا التي ترتعد فرائصها من هذا الاحتمال، وصولا إلى الشرق الأوسط والخليج والموقف من إيران والصين وروسيا وحربها في أوكرانيا. في انتخابات أوروبا (النمسا، بلجيكا، البرتغال، وغيرها)، يتوقّع أن تتقدّم قوى اليمين، وإذا تزامن ذلك مع فوز ترامب في أميركا سوف تكون لذلك تداعيات كبرى على مستقبل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. في الهند، يتوقّع أن يفوز ناريندرا مودي واليمين الهندوسي المتطرّف بولاية جديدة، ما يعني تفجّر مزيد من العنف في شبه القارّة الهندية، خصوصا مع تحوّل ما تسمّى "أكبر ديمقراطية في العالم" تحت قيادته الى دولة بوليسية تتجسّس على المعارضين وتلاحقهم بالاغتيال، كما حصل مع أحد المعارضين "السيخ" في كندا. هذه العناوين وغيرها سوف تشغلنا على الأرجح خلال العام المقبل، وقد تكون تداعياتها بالفعل مفصلية، أخذا بالاعتبار ما يجري حاليا في منطقتنا والعالم.