18 نوفمبر 2024
ما أخبار الأخضر الإبراهيمي؟
قال نائب لبناني سابق، شارك في مداولات اتفاق الطائف في 1989، إنه لاحظ عباراتٍ في الاتفاق، اتصفت بغموضٍ طفيف، قد يسبّب تفسيراتٍ لها في غير وجهة. سأل النائب، وهو قانوني ومحام، صاحبَ الجهد الأبرز في إبرام الاتفاق، الأخضر الإبراهيمي، عن ذلك. فأجاب إنه دبلوماسي وسياسي، وليس من أهل القانون الذين يؤثرون وضوح نصوص الجزاءات والعقوبات. ولذلك، يساعده هذا الغموض في إيجاد اجتهاداتٍ قد يحتاجها، ليبني عليها حلولاً يطرحها إذا ما استجدّت أزمة، أو طرأ نزاع، بين اللبنانيين، عند تنفيذهم الاتفاق. وحدث أَن الإبراهيمي كان يتهيأ للسفر إلى اليمن مبعوثاً من الأمم المتحدة لحل أزمة حرب 1994، وسأله صحافي عن مخاطبته علي سالم البيض، كيف ستكون، وقد أعلن نفسه رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبي التي أشهر انفصالها، بعد عزله، في أثناء الحرب، من موقعه نائباً للرئيس اليمني. أجاب الإبراهيمي إن البيض صديقه منذ سنوات، وفي وسعه أن يخاطبه بالأخ علي.
بذل الدبلوماسي الجزائري الشهير جهداً طيباً، وتاريخياً ربما، في إيصال الفرقاء اللبنانيين (أو الأفرقاء بالتعبير الذي ينفردون به هناك) إلى اتفاق الطائف. ويجوز الزعم أن هذه المحطة من مهماته الدولية والعربية العديدة كانت الأنجح، وهو رجل المثابرة والدأب والأناة في وساطاته التي كلف بها في العراق وأفغانستان وزائير وجنوب إفريقيا، أمثلةً. ومع ملاحظات واردةٍ على أدائه في هذا كله وغيره، وفي عمله وزيراً للخارجية في بلاده، إلا أَن المرء لا يعدم العثور على نجاحاتٍ للرجل في غير مطرح، وعلى مواقف مسؤولة، وبالغة الرهافة، وتوشر إلى كياسةٍ وحذاقةٍ وفيرتين في شخصه، ونظن أن تينك الواقعتين، بشأن لبنان واليمن، تؤكدان حصافةً ونباهةً حاضرتين فيه.
كل ملكاته وخبرته، مضافاً إليهما حسه العروبي والإنساني، لم تنفع الإبراهيمي (81عاماً) في شيء، وهو يبحث منذ أزيد من عامين عن حل (عن أي حل على الأصح) للمحنة السورية الراهنة. نتذكر أنه أخفق في إنجاز هدنةٍ قصيرةٍ في أيام عيد الأضحى قبل الماضي، الأمر الذي يفسر إخفاقه في إيصال النظام والمعارضة إلى أي تفاهم في مؤتمر جنيف الثاني. ولم يقصّر الرجل في التواصل مع الجميع، لإيجاد أي عملية سياسية من أي نوع بين أطراف الأزمة السورية الباهظة الكلفة البشرية. حاور الإيرانيين والروس كثيراً، وجامل النظام في دمشق، من دون داعٍ أحياناً، وتحدّث إلى الأميركيين والعرب والأتراك، وأغضب المعارضة السورية غير مرة، ولم يسلم من هجمات الحكومة السورية وإعلامها. ويسجل له في أثناء هذه المتاهة أنه لم ينطق، ولو مرةً، بتصريح صحفي مفيد يعطي معلومة ذات قيمة (!). ومن باب حسن الظن به، نحسب أن براعة الإبراهيمي (؟) هذه من دواعي عمله، فهو لا يشتغل عند الصحفيين، بل أوفده الأمين العام للأمم المتحدة (وأمين عام جامعة الدول العربية على ما كان يتردد تزيداً)، إلى كرة اللهب السورية، مستثمرا حساسيته العربية، وعلاقاته في المنطقة.
مناسبة التذكير بالرجل، هنا، أن لا حس ولا خبر عنه، منذ انفض سامر جنيف، فبالكاد صرت تعثر على صورة له في تلفزيونٍ، أو جريدة، مسافراً إلى هذا البلد، أو مغادراً ذاك. لم نلق بالاً لاستقالة معاونيْه، المغربي المختار لماني والفلسطيني ناصر القدوة، ولم يمسسنا فضولٌ لنعرف جديده في هذه الغضون، وإنْ غاب عن الأخبار، الرتيبة قبل العاجلة، حتى تسللت، الأسبوع الجاري، أنباءٌ عن شعوره بإحباطٍ شديد، بسبب ترشح بشار الأسد لرئاسة سورية. وقد تستثير حالة الإبراهيمي هذه بعض التعاطف معه، بالنظر إلى أن فداحة الفشل الذي تقيم فيه مهمته مريعة، وإن حرص، والحقُّ يقال، في أيامها الأولى، على خفض توقعاتنا. ولكن، لم نتخيل أمرنا هذا، نسأل عن آخر أخباره، فلا جواب سوى أنه محبط، وأنه اجتمع مع صديقه العتيق، عبد العزيز بوتفليقة، ليلة الاقتراع الجزائري إياه، وطرح الأخير عليه منصباً إشرافياً على لجنةٍ ما... كأن المحنة السورية، غير المأذون لها بأي حل، أخذت الإبراهيمي إلى الكآبة، أيضاً، بعد الإحباط العتيد إياه.
بذل الدبلوماسي الجزائري الشهير جهداً طيباً، وتاريخياً ربما، في إيصال الفرقاء اللبنانيين (أو الأفرقاء بالتعبير الذي ينفردون به هناك) إلى اتفاق الطائف. ويجوز الزعم أن هذه المحطة من مهماته الدولية والعربية العديدة كانت الأنجح، وهو رجل المثابرة والدأب والأناة في وساطاته التي كلف بها في العراق وأفغانستان وزائير وجنوب إفريقيا، أمثلةً. ومع ملاحظات واردةٍ على أدائه في هذا كله وغيره، وفي عمله وزيراً للخارجية في بلاده، إلا أَن المرء لا يعدم العثور على نجاحاتٍ للرجل في غير مطرح، وعلى مواقف مسؤولة، وبالغة الرهافة، وتوشر إلى كياسةٍ وحذاقةٍ وفيرتين في شخصه، ونظن أن تينك الواقعتين، بشأن لبنان واليمن، تؤكدان حصافةً ونباهةً حاضرتين فيه.
كل ملكاته وخبرته، مضافاً إليهما حسه العروبي والإنساني، لم تنفع الإبراهيمي (81عاماً) في شيء، وهو يبحث منذ أزيد من عامين عن حل (عن أي حل على الأصح) للمحنة السورية الراهنة. نتذكر أنه أخفق في إنجاز هدنةٍ قصيرةٍ في أيام عيد الأضحى قبل الماضي، الأمر الذي يفسر إخفاقه في إيصال النظام والمعارضة إلى أي تفاهم في مؤتمر جنيف الثاني. ولم يقصّر الرجل في التواصل مع الجميع، لإيجاد أي عملية سياسية من أي نوع بين أطراف الأزمة السورية الباهظة الكلفة البشرية. حاور الإيرانيين والروس كثيراً، وجامل النظام في دمشق، من دون داعٍ أحياناً، وتحدّث إلى الأميركيين والعرب والأتراك، وأغضب المعارضة السورية غير مرة، ولم يسلم من هجمات الحكومة السورية وإعلامها. ويسجل له في أثناء هذه المتاهة أنه لم ينطق، ولو مرةً، بتصريح صحفي مفيد يعطي معلومة ذات قيمة (!). ومن باب حسن الظن به، نحسب أن براعة الإبراهيمي (؟) هذه من دواعي عمله، فهو لا يشتغل عند الصحفيين، بل أوفده الأمين العام للأمم المتحدة (وأمين عام جامعة الدول العربية على ما كان يتردد تزيداً)، إلى كرة اللهب السورية، مستثمرا حساسيته العربية، وعلاقاته في المنطقة.
مناسبة التذكير بالرجل، هنا، أن لا حس ولا خبر عنه، منذ انفض سامر جنيف، فبالكاد صرت تعثر على صورة له في تلفزيونٍ، أو جريدة، مسافراً إلى هذا البلد، أو مغادراً ذاك. لم نلق بالاً لاستقالة معاونيْه، المغربي المختار لماني والفلسطيني ناصر القدوة، ولم يمسسنا فضولٌ لنعرف جديده في هذه الغضون، وإنْ غاب عن الأخبار، الرتيبة قبل العاجلة، حتى تسللت، الأسبوع الجاري، أنباءٌ عن شعوره بإحباطٍ شديد، بسبب ترشح بشار الأسد لرئاسة سورية. وقد تستثير حالة الإبراهيمي هذه بعض التعاطف معه، بالنظر إلى أن فداحة الفشل الذي تقيم فيه مهمته مريعة، وإن حرص، والحقُّ يقال، في أيامها الأولى، على خفض توقعاتنا. ولكن، لم نتخيل أمرنا هذا، نسأل عن آخر أخباره، فلا جواب سوى أنه محبط، وأنه اجتمع مع صديقه العتيق، عبد العزيز بوتفليقة، ليلة الاقتراع الجزائري إياه، وطرح الأخير عليه منصباً إشرافياً على لجنةٍ ما... كأن المحنة السورية، غير المأذون لها بأي حل، أخذت الإبراهيمي إلى الكآبة، أيضاً، بعد الإحباط العتيد إياه.