مؤشّرات التجديد النصفي
انقشع غبار معركة التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، والتي كان من المتوقع أن تحمل مؤشّرات كثيرة حول الاتجاه الذي تسير فيه والولايات المتحدة، ليس في ما يتعلق بأيٍّ من الحزبين ستكون له الغلبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل تحديداً في ما إذا كان هناك فرصة للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في العودة إلى البيت الأبيض. ما قبل عمليات التصويت كانت الاستطلاعات والآراء مجمعةً على أن انتخابات التجديد النصفي هذه ستكون بمثابة استفتاءٍ على أن ترامب يملك حظوظا كثيرة للترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة والفوز فيها، حتى أن الحديث كان يتم عن مدٍّ أحمر كاسح، نسبة إلى الحزب الجمهوري، من شأنه أن يخرّب ما تبقى من ولاية الرئيس الحالي جو بايدن. غير أن عمليات الاقتراع لم تتطابق كلياً مع توقعات الاستطلاعات، وحملت مؤشّرات مختلفة، من الممكن من خلالها استبيان أي توجهٍ ستسلكه الولايات المتحدة خلال السنتين المقبلتين.
صحيحٌ أن الحزب الجمهوري حصل على الأغلبية في مجلس النواب، فيما لا يزال مجلس الشيوخ ينتظر استكمال الفرز وجولة إعادة بين مرشحين، غير أنه لم يحقّق "المد الأحمر" المتوقع. رغم ذلك، ليست هذه النتيجة سيئة للحزب الجمهوري، بل على العكس، فهي تحمل مؤشّراً لمستقبل مختلف عن الذي عاشه هذا الحزب خلال السنوات الست الماضية، خلال ولاية دونالد ترامب وفي الفترة التي لحقتها، إلى أن جرت هذه الانتخابات. خلال تلك الفترة، عاش الحزب الجمهوري في ظل السطوة الترامبية، واقترب من التحوّل إلى حزب شمولي في ظل الدعم الشعبي الذي كان يحظى به الرئيس الأميركي السابق بين قواعد الجمهوريين.
في الفترة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، والتي أظهرت خسارة ترامب، وبعد كثير من الاعتراضات ومحاولات تعطيل الانتقال الديمقراطي عبر اقتحام الكونغرس، انقلب كثير من النواب الجمهوريين على الرئيس السابق، ودانوا تشجيعه أنصاره على تهديد الديمقراطية الأميركية. غير أن هذه الإدانات لم تطل كثيراً، بعدما لوح ترامب بإمكان تأسيس حزب ثالث في الولايات المتحدة، ما يعني عملياً شقّ الحزب الجمهوري، وتفريغه من الكثير من قواعده الشعبية. في ذلك الحين، جرى الحديث عن تسوية أجريت مع ترامب من قبل الجمهوريين، ومفادها بأن الحزب سيرشح ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في حال تراجع عن فكرة تأسيس الحزب الجديد. وبالفعل تراجع ترامب عن فكرته، ولم يعد إلى طرحها في الخطابات أو وسائل الإعلام.
خلال هاتين السنتين، عاش الحزب الجمهوري في ظل السطوة الترامبية، وها هو اليوم يجد فرصةً للخروج منها، بالنظر إلى أن غالبية الذي خسروا المعركة الانتخابية، وكان من المتوقع أن ينجحوا، محسوبون على الرئيس الأميركي السابق، وهو لم يوفر فرصة لدعمهم، ما يعني أن القاعدة الشعبية التي كان يستند إليها ترامب في تهديده للحزب الجمهوري بدأت بالتفكك، وبالتالي فإن ورقة الضغط التي كان يرفعها في وجه الحزب لم تعد ذات قيمة، أو على الأقل لم تعد بذات المفعول الذي كانت عليه قبل سنتين.
يمكن النظر إلى مشهد نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي على أنه فوز للجمهوريين وخسارة لترامب. لكن هذا لا يعني نهاية الترامبية أو تدمير أحلام الرئيس السابق في العودة إلى البيت الأبيض. فعلى عادة ترامب، هو لن يعترف بالخسارة، وسيتبرأ من رجالاته الذين رشحهم، ويحملهم مسؤولية فشلهم في الحصول على النسبة الكافية من الأصوات. وفي الوقت نفسه، من المرتقب أن يعود ترامب إلى سياسة التحشيد والخطب الشعبوية لإعادة تجميع الأنصار الذين انفضوا من حوله، وهو ما يجب على الحزب الجمهوري تداركه والعمل ضده، وهو ما بدأ به فعلياً عبر تصعيد حاكم فلوريدا، رون دي سانتيس، والذي ينافس ترامب في شعبويته، وربما يتفوق عليه.