ليته كان تطبيعاً
غداة الانقلاب العسكري في مصر، صيف 2013، كتب أستاذنا عبد الوهاب الأفندي في مقالةٍ حاذقةٍ، محقّا كما تأكّد فيما بعد، ليت الذي جرى كان انقلابا، لأنه أسوأ من ذلك. ويكتب صاحب هذه الكلمات هنا إن الجاري بين الإمارات وإسرائيل ليته كان تطبيعا لعلاقاتٍ بينهما، ليس فقط لأنه أسوأ من التطبيع الذي نرجُمُه بما كل ما أوتينا من عبارات الشجب واللعن والغضب، وإنما أيضا لأنه شديد الخطورة. وإذا كان الحاكمون في أبوظبي، وحواشيهم، يجهرون بالذي يجهرون به عن مساحات العلاقات العريضة، في غير مجالٍ وفي أكثر من شأن، ومن دون أي نقطة حياء، فإن لواحدنا أن يسأل، مستوضحا وخائفا في آن، عن "مخفيّ أعظم" في أثناء هذا كله، ماذا تُراه يكون؟ ومن أعاجيب ما استرسل به هؤلاء، وزادتْه أوساطٌ حاكمةٌ وصحافةٌ نشطةٌ في دولة الاحتلال إيضاحا على ما فيه من وضوح، أن الجانبين استبقا ما سيوقّعان عليه من وثائق اتفاقات تعاون، وما سيرّتبان من مراسم احتفالية سنراها على الهواء مباشرة من واشنطن وأبوظبي والقدس المحتلة، بإعلان تفاصيل موصولة بما جرى بينهما من مظاهر التعاون المشترك، ومنها المناورات والتدريبات والتمارين العسكرية، الجوية والبحرية، وشراء الإمارات تقنيات تجسّس من شركة إسرائيلية. ومن مفارقات ضحكٍ كالبكاء أن نغبط أشقاءنا المواطنين الإماراتيين على فائض الشفافية التي يُزاولها المسؤولون في بلدهم، وهم يشرحون، بصفاقةٍ لم يلحظ المواطن العربي مثيلاتٍ لها سابقا، في منابر إسرائيلية ومحلية، أوجه التعاون الوثيق، بعد التطبيع الكامل، والمنافع الوفيرة التي ستعود على الشعبين، سيما الإسرائيلي على ما يؤكّدون محقّين.
ليس تطبيعا ما يقوم بين المحتلين الإسرائيليين ودولة الإمارات. إنه في أقل نعوته المؤكّدة تحالفٌ معلن. ولا تزيّد في القول إنه سيكون الأوثق والأمتن بين أبوظبي وأي دولة أخرى، فليس من تحالفٍ مثله أقامته العاصمة الخليجية هذه إلى هذا المدى، حتى مع الولايات المتحدة. وعندما يتعالم بعضُهم علينا، بجهلٍ يقيمون فيه، في القول إن الإمارات تمارس حقّا سياديا لها، فإنه وجيهٌ كل الوجاهة أن يقال هنا إن تماديا شديد الخطورة تقترفه أبوظبي في محيطها الخليجي، وفي الإقليم، وفي الفضاء العربي بداهة، والإسلامي تاليا. ومصادر هذه الوجاهة في الإلحاح الرسمي الذي يعلنه أهل القرار في الإمارات على تعاونٍ عسكريٍّ وأمنيٍّ واستخباريٍّ مع إسرائيل. وكذلك في إتيان هؤلاء على "تعاونٍ ثقافي" سيحدُث مع دولة الإحتلال، الأمر الذي يستدعي بيانا أوضح، مرجّحٌ أن تجليه الأيام المقبلة.
يسرد رجل الأعمال الإماراتي، الملياردير خلف الحبتور، والمقرّب من حاكم دبي وولي عهد أبوظبي، محمد بن راشد ومحمد بن زايد، أمس في صحيفة هآرتس، "فوائد لا توصف" سيُحرزها "شعب إسرائيل" من "المصالحة مع الدول المزدهرة والمستقرّة" (بشرط أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، وهذه من عنديّات الحبتور)، ومن هذه الفوائد "التعاون الأمني والاستخباري، مع الحفاظ على عداء إيران". وعندما يتولّى ملف الاتصالات الإسرائيلية مع الإمارات لتطوير العلاقات رئيس هيئة الأمن القومي، مائير بن شبات، بتكليفٍ من رئيس الحكومة، نتيناهو، وإذ يهبط أمس الأحد رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، يوسي كوهين، في مطار أبوظبي، لتهيئة وثائق اتفاق السلام، وعندما يوضح الوزير الإماراتي، أنور قرقاش، في محاورة مع وسائل إعلام إسرائيلية، إن بلاده مهتمةٌ بتطبيق الاتفاقات في أسرع وقت، وعندما يأتي على "الحماية الإلكترونية" واحدا من المجالات التي تهمّ الإمارات في علاقاتها مع إسرائيل، فإن ذلك كله (وغيره) يؤكّد أن ثمّة ما هو بالغ الخطورة، أمنيا واستراتيجيا، على الأمة العربية، ترتكبه أبوظبي. وقد بقّ البحصة سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، لمّا كتب في "يديعوت أحرونوت"، في يونيو/ حزيران الماضي، إن "في مقدور الدولتين أن تقيما تعاونا أمنيا أكثر عمقا وفعاليةً، باعتبارهما اللتين تملكان اقتصادا متطورا ومتنوعا". وأوضح، بتبجّح، إن "مخاوف الدولتين مشتركة في مجال الإرهاب والعدوان"، في معرض إشارته إلى تطلع إسرائيل إلى "علاقاتٍ أمنيةٍ واقتصاديةٍ وثقافيةٍ جيدةٍ مع العالم العربي والإمارات العربية المتحدة"، وسيما، بحسبه إن البلدين "تملكان جيشيْن من أفضل الجيوش المدرّبة في المنطقة".
.. إذن، لكل مواطن عربي أن يخاف من التحالف القائم، والذي سيتعاظم، بين الإمارات وإسرائيل، وله أن يتمنّى لو أن الذي بينهما تطبيعٌ فحسب.