لماذا أبو الفتوح؟
ثمّة بديهيات عن عبد المنعم أبو الفتوح يعرفها أي قارئ، ولا أقول مختصا، في تاريخ الحركات الإسلامية. كان أبو الفتوح ورفاقه، عصام العريان وإبراهيم الزعفراني وحلمي الجزار، من شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا إليها من الجماعة الإسلامية، لأنهم اختلفوا مع رفاقهم السابقين بشأن الموقف من التغيير بالعنف. تبنّى أبو الفتوح العمل السياسي السلمي، والترشّح للبرلمان، والنقابات المهنية، والتعاون مع الدولة، في الملفات المشتركة التي تحقق النفع لعموم المواطنين، والتعاون مع الأحزاب المدنية، غير الإسلامية، في المساحات المشتركة. تقول الرواية الشعبوية، والكوميدية، إن أبو الفتوح أمضى عمره في جماعة الإخوان، ما يعني أن أفكاره، وانحيازاته وتصوّراته عن مفاهيم الدين، والدولة، والوطن، هي بالضرورة إخوانية، مثله مثل خيرت الشاطر ورفاقه!
جاء مصطفى مشهور، منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلى قيادة الجماعة، وتحوّلت معه إلى الخط السلفي الذي يمثل أفكاره وانحيازاته. فاز أبو الفتوح بعضوية مكتب الإرشاد، بالانتخابات، نظرا إلى تجربته ومكانته، لكنه واجه تهميشا متعمّدا، وحربا، بالمعنى الحرفي، من مشهور وفريقه، وأبرزهم خيرت الشاطر الذي سقط في الانتخابات نفسها، وفرضه مشهور بالتعيين. أحيل هنا إلى شهادة عبد الجليل الشرنوبي، التي نشرها على صفحته الشخصية بعد الحكم على أبو الفتوح بالسجن المشدد 15 عاما، والشرنوبي رئيس التحرير الأسبق لموقع إخوان أون لاين، وأحد أبرز خصوم الإخوان، منذ أكثر من 11 عاما، كما أنه مؤيد للنظام الحالي، وفي شهادته (يُنصح بقراءتها) يستعرض وقائع "الحرب" على أبو الفتوح داخل الجماعة، من خيرت وفريقه، وتشويه سمعته، ومنعه من نشر آرائه، ومحاولة إبعاد الشباب عنه، بوصفه صاحب خطّ شخصي!
صرّح أبو الفتوح بأنه ضد وصول قيادات الإخوان المسلمين إلى حكم مصر بعد الثورة، وأنه، من واقع خبرته بهم، يرى في ذلك خطرا كبيرا، وأن صوته لواحد من أعضاء المجلس العسكري، إذا كان الاختيار محصورا بينه وبين "الإخوان"، وهو تشبيه له دلالته، بالنظر إلى موقف أبو الفتوح المعلن والرافض، بوضوح، لتورّط الجيش في لعبة السياسة. كان أبو الفتوح أول من دعا إلى انتخابات رئاسية مبكّرة، في عام رئاسة محمد مرسي، وكان يرى استمرار "الإخوان" مستحيلا، والحل الوحيد، الذي يحول دون حدوث انقلاب عسكري، هو دعوة الرئيس بنفسه إلى هذه الانتخابات، وهو ما رفضه، وزايد عليه، مرسي والإخوان، في حينه. وكان ما كان.
وجّه (الرئيس المؤقت)، عدلي منصور، الدعوة إلى عدد من السياسيين، ومنهم أبو الفتوح، إلى لقاء للتشاور، في وقتٍ كان أغلب الإسلاميين يرفضون أي حوار مع النظام. ذهب أبو الفتوح، وقدّم، بالمخالفة للنظام والإخوان معا، مبادرة للتفاهم وإنهاء اعتصام "الإخوان"، وحل المشكل من دون عنف، وهي الدعوة التي رفضها الطرفان. صرّح أبو الفتوح، بوضوح، بأن بعض شباب "الإخوان" يمارسون العنف بشكل ثأري، وأن الإرهاب في سيناء هو حرب علينا، وأن مؤسّسات الدولة، (الجيش والشرطة وغيرهما)، ملكنا وبأموالنا، ولا نقبل العدوان عليها، وأنه ضد الإرهابين الداخلي والخارجي، ومع مواجهتهما، ولكن من دون خلط للأوراق، وتصفية للحسابات والصراعات السياسية بين النظام و"الإخوان"، وأن آليات مواجهة الثأر الداخلي، كما سمّاه، تبدأ من احترام القانون والعدالة والحريات.
كان أبو الفتوح، ولا يزال، صوتا إصلاحيًا، عاقلا، مسيّسا، وغير شعبوي، وداعيا، حقيقيا، هو ومن معه من الشباب، محمد القصاص وغيره، إلى الحوار والتفاهم والوصول إلى نقطة اتفاق، لم يتورّط أبو الفتوح يوما في الدعوة إلى العنف أو التحريض عليه، أو تكفير خصومه أو تخوينهم. ووصف الجيش المصري، وغيره من مؤسّسات الدولة، بأنها مؤسسات وطنية، في انحيازاتها الكبرى، ويمكن العمل معها ومساعدتها، رغم معارضته سياساتها، ورفضه تورّط قيادات الجيش، تحديدا، في العمل السياسي. وهذا حقه. أبو الفتوح نموذج للمعارض الشريف، ومكانه الطبيعي في مقدّمة أي حوار أو تفاهم "حقيقي"، وليس في غيابات السجون، وهو ما نتمنّاه، وننتظره، طلبا لأدنى درجات الاتساق بين ما يدعو إليه النظام وما يفعله، أو يقرّه.