"كتارا" في مصر

31 مايو 2015
+ الخط -
كان على الكتاب المصريين الذين تقدّموا للتنافس على جائزة كتارا للرواية العربية أن يحصلوا على فتوى من أهل الدراية في شؤون الإرهاب في بلدهم، قبل أن يرتكبوا ما فعلوه. أمّا وأنهم لم يبادروا إلى ذلك، وهم 240 من بين 711 كاتباً عربياً، فإن على المرجعيات المختصة إشهار أسمائهم، وعلى المجلس الأعلى للثقافة في مصر التحقيق معهم، لأنهم "تقدموا لجائزةٍ تستهدف إذلال المصريين". وهي الجائزة التي تعمّدت قطر أن يفوز بها كاتبان مصريان (من بين عشرةٍ عرب)، وحرصت على إعلان عدد المصريين المتنافسين على نيلها، واختارت محكّمين فيها من أنصار عبد الفتاح السيسي و"ثورة 30 يونيو"، في "رسالةٍ قطرية" لاختراق "قوة مصر الناعمة"... هذا قليل من كثير نُشر في الصحافة المصرية، أخيراً، يحتار قارئه أن يضحك من فرط ما فيه من عبث هزلي، أو أن يحزن من القاع العميق الذي بات يقيم فيه كثيرٌ من إعلام مصر الراهنة وصحافاتها.
جائزة كتارا مجرد مصيدة من قطر، بدولاراتها ومتفجراتها، انتحر المصريون الذين تقدموا إليها أدبياً، وقد لهثوا وراء الأموال. ولأن قطر تتحمل مقادير من المسؤولية عن الإرهاب الذي تواجهه مصر، يصير السؤال مطلوبا ما إذا كان ينبغي مقاطعة المصريين لها ثقافياً أم لا. هذا مقطع موجز من المستوى العام للجدال المخزي الذي يخوض فيه مثقفون وإعلاميون مصريون بشأن أحدث جائزة للرواية العربية، كان مأمولاً أن تساهم أقلام مصرية في تعيين مؤاخذاتٍ عليها، وفي السعي إلى تطويرها وتحصين مصداقيتها. لم نقع على شيء من هذا، بل ثمّة خراريف عجيبة يُراكمها ناس، من شمائلهم عماهم عن الرزايا في سجون بلدهم، قد يرى أحدنا الأنسب بشأن ما يكتبون، عن "كتارا" مثلا، الاكتفاء بالتسلي بمطالعته، ثم إهماله، وثمّة من يجد وجوباً للإضاءة على تهافته، ومناشدة أصحاب العقل والحكمة من بين أصدقائنا الكتاب المصريين، وهم كثيرون، أن يكونوا أعلى صوتاً من أولئك. 

توضيحاً لصديق كتب في "الأهرام" عن حرص قطر على إشهار عدد المتنافسين المصريين على جائزة كتارا، ليس وزير الداخلية القطري هو من أعلن هذا الأمر. كان مجرد سؤال من زميل صحافي في لقاء صحفي عام مع المشرف على الجائزة، خالد السيد، فأفاد بذلك العدد. أما عن المحكّمين، فمصر فيها نخب لا يمكن أن يستغني عنها أي مشروع ثقافي عربي، وفي جامعة قطر كفاءات مصرية في تدريس الأدب العربي، ولأيٍّ منهم أن يكون مع السيسي أو ضده، فلم نعهد، نحن العرب المقيمين العاملين في قطر، ومنّا آلاف المصريين، تفتيشاً على دواخلنا، أو تجسساً على دردشاتنا ما إذا كان أحدنا مع السيسي أو ضده. وإذا كان صديقنا الروائي، إبراهيم عبد المجيد، (أُعطي) واحدةً من جوائز كتارا، لسببٍ سياسي، فإن عليه أن يشهر هذا الأمر، ويرفضه، ولا سيما أن صديقي صاحب المقالة يراه أكبر من "كتارا". وللإيضاح، هذه تظاهرة ثقافية، ومن البديهي أن يكون مثقفون مصريون في صدارة ناسها، متنافسين وفائزين ومحكمين. فرحنا بإبراهيم عبد المجيد وزميله سامح الجباس، وبحضور حلمي النمنم من وزارة الثقافة المصرية، والرئيس السابق لاتحاد كتاب مصر، محمد سلماوي (الناطق باسم لجنة كتابة دستور 30 يونيو)، وغيرهم من مصريين كتاب ومثقفين وإعلاميين، كانوا بين إخوتهم العرب، بصفتهم هذه، لا بصفتهم مع السيسي أو ضده، فالمذكور لا يستحق إجهاد أذهاننا بشأنه إلى هذا الحد، وفي مناسبة احتفالية بالرواية العربية وكتابها.
لا نعرف ما إذا كان صحيحا قول عبد المجيد إن كتّاباً مصريين أخفقوا في نيل جائزة كتارا وراء التخريف العبثي المضحك، ولكنْ مؤكد أنه صحيح قوله إن التي كتبت أن قطر أخطر من إسرائيل ستكتب مدائح في قطر، لو تتغير الأمور سياسيا بعض الشيء.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.