كتاب عربي في إسطنبول

22 نوفمبر 2015

نواف القديمي: تفاعل جمهور المعرض مع أنشطته كان مبهجا

+ الخط -
ميزتان ثمينتان لمعرض الكتاب العربي الأول في إسطنبول، والذي اختتم قبل أيام، أنه الأول من نوعه، فلم يسبق أن انتظم معرضٌ مماثلٌ له في أي مدينةٍ غير عربية (أربيل مدينة عراقية). وبذلك، تعد مبادرة دار النشر "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" إلى تنظيمه رائدةً، وذات قيمة كبرى، إذ مضت إلى مغامرتها هذه، من دون استئناس بأيِّ تجربةٍ سابقة. الميزة الثمينة الثانية للمعرض نجاحه الكبير، والذي لم يكن متوقعاً بالصورة التي تحقق فيها، كما طالعنا وقرأنا وتابعنا. وقد كتب مدير الشبكة والمعرض، الكاتب والناشر نواف القديمي، "إن المردود المعنوي للشبكة العربية أكثر بكثير مما توقعناه"، وأفاد، في مقالة فرحة بهذا النجاح، نشرها في الموقع الزميل "ألترا صوت"، بأن تفاعل جمهور المعرض مع فعالياته وأنشطته كان مبهجاً، وأن الحضور كان مفاجئاً بالمئات والآلاف.
وأنْ نعلم هذا كله وغيره عن المعرض غير المسبوق، والذي انتظم في موعد وجود الناشرين العرب في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وفي غير موعد عطلات طلاب الجامعات والثانويات، وأنْ نقرأ عن هذا النجاح، وقد غابت عن المعرض كتب الأطفال وكتبٌ في الشريعة والفقه الإسلامي فتش عنها بعض الزوار والحضور، فذلك مما يُضاعف أسباب التهنئة الواجبة للزميل نواف القديمي، والفريق الذي عمل معه ستة أشهر في تنظيم المعرض، وفي الحصول من 50 دار نشر عربية، أغلبيتها مصرية ولبنانية، على 50 ألف عنوان، شراءً كما قرأنا. والظاهر، إذن، أنّ مسمى المغامرة على هذه التجربة ليس مجازياً، ولا تقريظاً مجانياً، وإنما يُعطي المبادرة ما اشتملت عليه من مجازفةٍ، ومن رهانٍ على إنجاز ثقافي، واختبار نجاعة دافعٍ ليس تجارياً، إذا ما توازت المصروفات مع الإيرادات، أو كانت الخسائر محتملةً، مع التأكيد على أن الدافع الربحي، في بيع الكتب، ليس حراماً، وليس فعلاً مستهجناً.
تقاطر، في إسطنبول، جمهورٌ عريض من العرب الكثيرين المقيمين فيها، السوريين وغيرهم، فضلا عن السياح والزوار والمارّين، على المعرض، بدافع المعرفة والتعرف على الجديد من الإصدارات في العلوم والآداب والفكر، وعموم صنوف الثقافة، وبدافع البهجة بهذه التظاهرة على ما أخبرنا أصدقاء وزملاء كانوا هناك، فإن الإقبال كان مثيراً لأسئلةٍ غير قليلةٍ عن أدوار غائبة، مطلوبة وبإلحاح، من التمثيلات والتشكيلات الثقافية، الأهلية والحكومية، بصدد تيسير تواصل كل هؤلاء الذين باتت أعدادهم بالملايين (بسبب ما يرفل فيه الحاضر العربي من أمن وأمان!) مع المشهد الثقافي والفني العربي العام، بتنظيم معارض التشكيل وتظاهرات السينما ومهرجانات المسرح والفنون الشعبية. ومن هذا المدخل، يجوز حسبان مبادرة الشبكة العربية للأبحاث والنشر في تنظيم معرض للكتاب العربي في إسطنبول فعلاً له قيمة ثقافية ووجدانية عامة، تتجاوز مسألة الكتاب العربي وحدودها، وإسطنبول هي المدينة التركية التي صارت وجهة سياحية، أولى ربما، للعائلة العربية، في المشرق والخليج والمغرب، وصارت مقاماً طيباً لنازحين ومستثمرين ورجال أعمال، وأيضا لكتاب ومثقفين عرب، سوريين خصوصاً، استضيف بعضهم في محاضرات ألقوها أمام جمهور المعرض ورواده.
كان لافتاً أن نعرف أيضاً أن 30% من جمهور المعرض كان من الأتراك الذين يتحدثون العربية، وهذا سببٌ مضافٌ إلى وجوب تثمير مبادرة الشبكة العربية للأبحاث والنشر إلى أنشطةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ وفنيةٍ على غير صعيد، وباتجاه تطوير هذا المعرض، فينتظم سنوياً في موعد مناسبٍ آخر، وجذب دور النشر للمشاركة، ودعوة أدباء ومفكرين عرب لإلقاء محاضرات في شؤون الثقافة العربية ومستجداتها. وذلك كله يحتاج إلى تعاونٍ تتكامل فيه جهود عدة مؤسساتٍ وهيئاتٍ، لعل منها اتحاد الناشرين العرب، الذي صارت أمامه تجربة ناجحة، من دون القفز على الدور الجوهري للشبكة العربية، ومديرها نواف القديمي الذي يحسن تثمين المجهود الذي بادر إليه، وقد استكشف إمكانات نجاح ممكن، له واجب التهنئة والتقدير.
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.