كأنها ليست انتخابات نقابة

07 مايو 2018
+ الخط -
صار بديهيا ومعتادا، بل ورتيبا ربما، بشأن أي انتخاباتٍ تجري في أي بلد عربي، نيابيةً وبلديةً ونقابيةً، أن يحتل شأن الإسلاميين في نتائجها اهتمامنا، وأسئلتنا من قبيل: كم أحرزوا أصواتا ومقاعد؟ كم كسبوا زيادةً، أو خسروا نقصانا، عما كان لهم من الانتخابات السابقة؟ تتقدّم هذه الأسئلة على غيرها، إلى حد كبير، بشأن المنافسين الآخرين، من ألوانٍ ليبراليةٍ ويساريةٍ وقومية. والإشكال الأساسي أن الإضاءات الإعلامية على هذه المواسم الانتخابية غالبا ما لا تكترث بالمقدار الكافي بالبرامج المتنافسة المطروحة. وبالتأكيد، يتعلق هذا الإيجاز (المخلّ؟) بالصورة العامة، وهو، على أي حال، يستثني الساحات التي لا تُؤخذ فيها المداولات الانتخابية على محمل الجد، عندما يتم مثلا الإجهاز على الإسلاميين، ثم ابتداع تشكيلاتٍ كرتونيةٍ من المطبّلين الرديئين، وتنظيم "انتخاباتٍ" لا يستحي صنّاعها بادّعاء وصفها تعدّديةً، فليس من عاقلٍ في الأرض صدّق أن عملية اقتراعٍ جرت في مصر لانتخاب أعضاء البرلمان الراهن. 

مناسبة هذا الاستهلال أن فوز الإخوان المسلمين (وتلويناتٍ إسلامية معهم) بأربعة مقاعد في مقابل فوز منافسيهم بستة مقاعد في انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين اعتبر حدثا كبيرا، بل ثمّة من كتب إنه زلزال، ما يعود إلى أن الإسلاميين خسروا منصبي النقيب ونائبه، وفقدوا الأغلبية التي كانوا يحوزونها منذ أزيد من خمسةٍ وعشرين عاما في هذه النقابة التي طالما اعتبرت من "القلاع الإخوانية" في الأردن. ومن يطالع أصداء هذه النتيجة لدى كثيرين من كارهي "الإخوان" سيظن أن هؤلاء أحرزوا انتصارا يوازي نجاح الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في "إنزال النورماندي". وفي المقابل، توحي الأحزان الباهظة التي ألمّت بإخوانيين غير قليلين جرّاء هذه النازلة بأن فلسطين السليبة ضاعت نهار الجمعة الثقيل. وكانت دالةً السقطة البائسة، والمدانة والمستنكرة طبعا، من النائب الأردني من الإخوان المسلمين، سعود أبو محفوظ، أن يذيع إن المثليين واللادينيين والناصريين والبعثيين و.. حشدوا من أجل إنزال الهزيمة بالإسلاميين، في المكاسرة الانتخابية الشرسة. والغريب في الأثناء، سيما لمن يماثلون صاحب هذه الكلمات في عدم درايته بالتحالفات والتكتيكات في تشكيل القائمتين المتنافستين، "إنجاز" البيضاء و"نمو" الخضراء، أن الإسلاميين أحرزوا نحو مائة مقعد (من 120) في انتخابات المجلس المركزي لشعب الهندسة المتخصصة. وحسب ما كتب عارفون، في وسع هؤلاء التأثير، إلى حدٍّ ما، على مجلس النقابة الجديد الذي خرج من "سيطرة" الإسلاميين و"قبضتهم" و"تفرّدهم" طوال ربع قرن.. وغير ذلك من مفرداتٍ حربيةٍ استخدمت كثيرا في اليومين الماضيين باسترسال، واستخفافٍ واستسهالٍ على الأرجح.
ما يمكن أن يراه معلقٌ متابع للمستجدات السياسية (وغيرها) في "حدث" انتخابات نقابة المهندسين الأردنيين أن نجاح الإخوان المسلمين في المواسم الانتخابية ليس بالضرورة قضاء وقدرا، فقد كان في الوسع أن لا يحرز محمد مرسي الرئاسة في مصر في العام 2012، لو أن التلوينات غير الإسلامية اشتغلت جيدا، وعرفت حقا أنها تخوض انتخاباتٍ لرئاسة بلد، وليس لتتفوق على تشكيل سياسي ما أو شخصٍ منافس. وأمر آخر يأخذنا إليه "زلزال المهندسين" (بتعبير الإسلامي رحيل غرايبة)، هو أن الطيف الإخواني مطالبٌ بالتخفف من الثقة الزائدة بالنفس، وبأن يعرف أن التجدّد من سنن الحياة، أو يلزم أن يكون كذلك. وأن ثمّة شبّانا من جيل يستجدّ يتدافعون إلى مناطق التأثير والفاعلية بحساسياتٍ متنوعة. وقد أشار عقلاء، من الإسلاميين وغيرهم، إلى هذا الأمر في معرض تحليل "اكتساح" (؟) القوميين واليساريين مجلس نقابة المهندسين الأردنيين. والأدعى للدرس الأهم أن الناس، مهندسين وغيرهم، معنيون أولا بتفاصيل تخصّ عيشهم ومستقبلهم ومهنهم أولا، قبل الأيدولوجيات والخنادق السياسية، وطبعا قبل المواقف من بشار الأسد وغيره. والظاهر أن القائمة التي "اكتسحت" في الانتخابات المتحدّث عنها هنا أولت هذا الأمر عنايةً متقدمة، وبسطته في منافسةٍ برامجيةٍ مهنية، ما ساعدها في "انتزاع" منصبي النقيب ونائبه.. وأخيرا، نحتاج، نحن العرب، إلى القناعة بأن يكون الإنجاز، وكذا القدرة على تحقيقه، أول معايير أحكامنا على من يتصدّرون للشأن العام، ولمواقع القيادة والإدارة والسلطة، وليس الإسلامي وغير الإسلامي.. وشرح التفاصيل يطول.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.