في وصف حالتنا

16 ابريل 2014
+ الخط -
موجزُ الخبر أَن مستوى التعليم في الوطن العربي متراجعٌ جدا، مقارنةً بمناطق أُخرى في العالم، ويحتاج إِصلاحاتٍ عاجلةً، وأَن الحكومات العربية تخصص له 5% من ناتجها المحلي، في دليلٍ واضحٍ على تقصيرها في معالجة مشكلاته.
ويُوصف هذا الإيجاز، هنا، بأنه خبر، للجدّة البيّنة فيه على ما نشهد في بلادنا العربية، من ازديادٍ ملحوظٍ في المدارس والجامعات والمعاهد والأكاديميات، ومن ولعٍ واسعٍ بتقنيات التعليم الحديثة، باستخدام الحواسيب، والإفادة من ممكنات شبكة الإنترنت، فضلاً عن التزايد المضطرد في أعداد الخريجين وأَصحاب الشهادات من مختلف التخصصات. لكنَّ من قالوا الخبر خبراءُ مختصون، وأَعلنوه في منتدىً عالمي عن "التعليم والمهارات"، عقد في دبي قبل أيام، وشارك فيه 800 شخصية، بينهم رؤساء حكومات سابقون ووزراء تعليم وأكاديميون وأهل تخطيط وتربويون، تداولوا في هذه الشؤون. ومن مفاجآتهم، غير الحميدة، أَنه فيما نسبة الأمية في الوطن العربي تتناقص، فإن أَعداد الأميين تزداد. بدلالة أَنها بلغت نحو 19% من عدد السكان في العام 2013، أي نحو 96 مليون نسمة، مقارنةً بنحو 35% في 2005، أي 70 مليون نسمة.
هذا مقطعٌ من تفاصيل في وصف حالتنا، لا يتم التحديق فيه، هنا، رغبةً في "جلد الذات"، فالحقائق الماثلة قدامنا ترينا تخلفاً مريعاً، ما ينفك يتفشّى في راهن مجتمعاتنا، ويؤشر إلى أن الذات المذكورة تهرول إلى الخلف، بالنظر إلى كل هذه الطائفية والمذهبية والحاراتية والمناطقية في بلادنا العربية الزاهرة. راياتُ التعصب الأعمى، وواجهات التطرف القصوى، ونزعات التحصن بالطائفة والعائلة، والاحتماء بالعشيرة والقبيلة وأَهل المذهب، كلها أقوى من الشعور بالانتساب إلى أوطان حقيقية، ودولٍ تتحقق فيها المواطنة التي تربط الأخ بأخيه، وتصل الرئيس بالمرؤوس. كل هذا الخراب الفادح، على ما نُعاين ونرى في غير بلدٍ عربي، معطوفاً على العنف والتكفير والتشدد، يجعل فوز يعقوب زيادين، الطبيب الشيوعي المسيحي الكركي الشرق أردني، بمقعدٍ نيابيٍّ عن منطقة القدس في البرلمان الأردني في 1956، واقعةً تصلح للنوستالجيا، فيما هي حقيقةٌ كاشفةٌ عما كنا عليه، وما صرنا فيه.
كأن أمارات الحداثة والعمران في بلادنا، وكذا إحاطة التكنولوجيا بنا في كل تفاصيل معيشتنا، لا تعني أَنها كلها توحي بمسار تقدمٍ نمضي فيه، أَفراداً ومجتمعات ودولاً، طالما أن أحمد زويل يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، نتيجة انتسابه إلى مختبراتٍ علمية أميركية، وطالما أن التعليم في الوطن العربي "متراجعٌ جدا"، وأَن الأميين من بين جلدتنا، وبين ظهرانينا، يزيدون. أما عن جهل ملايين من الشباب العرب بأن حرباً وقعت في 1967، واحتُلت في أثنائها فلسطين، فحدّث ولا حرج. وقد فاجأتنا فضائيةٌ عربية شهيرة، في استطلاعٍ عشوائيٍّ لعيناتٍ من شبانٍ عرب في أسواقٍ في عدة بلدان، بأَنَّ قلة الدراية بتاريخ الأمة بين شبابها مفزعة. يتم الجهر، هنا، بهذا البؤس، وفي البال أن البهجة بشبابٍ في اليمن ومصر والمغرب وسوريا وليبيا في حراكاتهم وثوراتهم واحتجاجاتهم في الميادين والساحات والشوارع، أَشاعت فينا منسوباً عالياً، وباقياً على الرغم من كل شيء، من التفاؤل، إبّان الربيع الواعد في السنوات الثلاث الماضية، لأنها أتاحت مجهراً آخر نحدّق به إلى مجتمعاتنا. يسَّر لنا النظر إلى أحوالنا باعتبارها عويصة جداً، فيها رداءات تعصى على العد، وفيها بشائر تبيح انتظار تغييرٍ سيأتي، وإنْ متأخراً. وإذا دوهمنا، في هذه الغضون، بالذي قيل في منتدى دبي، فإنها الحقائق تزداد سطوعاً، بشأن فشل الدولة العربية، المتسلطة، بتأمين البديهي من حاجات مواطنيها، ومنها التعليم المتقدم، والذي تتوازى فيها ملكات الذات في الإبداع مع المعرفة بجديد منجزات العقل البشري مع التسلح بثقافةٍ واجبةٍ عن الأمة الواحدة، ماضياً وحاضراً، مع استشراف مستقبلٍ مأمولٍ، أمام الشباب العربي، بشأنه، تحديات ثقيلة، منها وقف زيادة الأمية مثلاً. 
 
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.