15 نوفمبر 2024
في واقعة غروزني
رحم الله أستاذنا، عبد الوهاب المسيري، خصّ سؤال "من هو اليهودي؟" بكتابٍ بالعنوان نفسه، أراد فيه إيضاح الجدال، غير المحسوم بعد، بين الصهاينة المتدينين والصهاينة العلمانيين، بشأن تحديد هوية "الذات اليهودية" وتعريفها، والأبعاد التي تُمايز شخصية اليهودي عن غيره. لم يُقلق المسلمين سؤالٌ مثل هذا عمّن هو المسلم. ربما لأن أصول دينهم المُجمع عليها في مظانّهم الأولى عيّنت التعريف اللازم، وانتهى الأمر الذي لا حاجة لأيِّ جدالٍ فقهيٍّ أو سياسيٍّ فيه. ولم يخطر في بال أحدٍ أن حسماً يجب أن يتم في شقٍّ ظاهرٍ من مسألةٍ مثل هذه، ليس بشأن الصحيح إسلامه والآخر المعوجّ في إسلامه، وإنما بشأن السنيّ، من هو بالضبط. لم يفطن أيٌّ منا إلى أن هذه (القضية) مؤرّقة، وينقصها جلاءٌ من أهل العلم والدراية، حتى بوغتنا بمؤتمرٍ في ضيافة فلاديمير بوتين، اعتنى بهذا السؤال، عنوانه "من هم أهل السنة والجماعة؟"، شارك فيه مشايخُ ودعاةٌ، أحدهم مفتي دمشق، وأبرزهم شيخ الأزهر، ومفتيا مصر الراهن وسلفه، ومستشار عبد الفتاح السيسي للشؤون الدينية، وداعيةٌ يمني يترأس مؤسّسةً "غير ربحية"، شاركت في تنظيم المؤتمر وتمويله، مقرّها أبوظبي. وقرأنا أن نحو مئتي مشارك، بينهم هؤلاء، ساهموا في أعمال هذا المؤتمر، يصعب أن تتبيّن حيثيةً خاصةً لكثيرين منهم، في الاجتهاد والفاعلية والمؤسّسية الإسلامية.
لولا هؤلاء ومضيفُهم رئيس الشيشان، رمضان قديروف، في غروزني، لما عرفنا أن الإخوان المسلمين ليسوا من أهل السنة، كما السلفيون والوهابيون. والعجيب في زعمٍ مثل هذا أن رائحة السياسة فيه مفضوحةٌ، فضلاً عن أن صفة الداعي والمضيف، كما المكان والسياق كله، لا يمكن أن تجعل أحداً منا، لا سيما من غير أهل الاختصاص كما صاحب هذه الكلمات، أن يغفل عن الأغراض السياسية بالغة الوضوح في الواقعة. وفي الوسع أن يحتجّ المرء، في الجانب الديني المحض، برفض نحو عشرين تجمعاً لعلماء المسلمين في غير بلد هذا الحفل، وما انتهى إليه من منكر الكلام الذي يُضاعف أسباب الشقاق بين المسلمين. وفي الشأن السياسي للمسألة، مبعث الاستهجان والاستغراب الوفيريْن يتعلق، في مرتبةٍ أولى، بنجاح رئيس الشيشان الذي منحته موسكو وسام "بطل روسيا"، لإسهامه في قتال بني وطنه المسلمين، في استخدام الأزهر في مراد بوتين من هذه التظاهرة المريبة، والتي تذكّر بأنّ وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، كاد يتعهد، قبل أزيد من عامين، بعدم إقامة "نظام سني" في سورية. وبدا حينها كلامه مثيراً للاستفظاع، ليس من باب استنكار دسّ روسيا أنفها في أمرٍ كهذا. ولكن، من باب انشغال الدولة الشيوعية سابقاً بتوضيب إسلامٍ، في سورية وغيرها، على مقاسٍ تُؤثره. ومن إحالاتٍ أخرى، يذكّر بها مؤتمر قديروف، أن الشيشان استقبلت "مجاهدين" من السعودية وغيرها، ذوي مرجعياتٍ سلفيةٍ ووهابيةٍ، في أثناء القتال ضد السلطة الروسية في التسعينيات، ولا يُنسى ما أعملته الوحشية الروسية في غضونه. ما قد يسوق إلى الظن بأن نزوعاً انتقاميا لدى بوتين، وتابعه قديروف، من مرجعيات أولئك، بنزع سنيّتها عنها. وهذه حيلةٌ كاريكاتيرية في ظاهرها وباطنها الاستخباريين.
ليست القصّة في تبرّع رمضان قديروف، صاحب الصداقات الذائعة مع نجومٍ في "هوليوود"، في إقامة هذه التظاهرة الخائبة، وإنما في الاستغفال الذي عمدت إليه مشيخة الأزهر في بيانٍ توضيحيٍّ لمشاركتها هناك، قال إن كلمة أحمد الطيب لم تُخرِج أهل الحديث من أهل السنة. وكأن الفضيحة في هذا المطرح، وليست في مشاركة الأزهر نفسه في هذا العبث، مصحوباً بوفدٍ مصري رفيع. وإذا كان انشغالٌ إعلامي قد تم بشأن تأثير هذا كله على العلاقات المصرية السعودية، بالنظر إلى أن مؤتمر بوتين قديروف استهدف المملكة في مرتكز أساسيٍّ فيها، فإن الأدعى إلى الانتباه هو الانحطاط الذي بلغته السياسة الرسمية في مصر، حين تخوضُ في ألعابٍ تافهة، عندما يصبح عداء الإخوان المسلمين لديها أم المعارك. وفي أثنائها، لا حرج من أن يحدّد بوتين وقديروف التعريف الذي يشاءان للمسلم السنّي، بل وأن يُخرجا منه من لا يستطيبانهم، "الإخوان" والوهابيون مثلا.
لولا هؤلاء ومضيفُهم رئيس الشيشان، رمضان قديروف، في غروزني، لما عرفنا أن الإخوان المسلمين ليسوا من أهل السنة، كما السلفيون والوهابيون. والعجيب في زعمٍ مثل هذا أن رائحة السياسة فيه مفضوحةٌ، فضلاً عن أن صفة الداعي والمضيف، كما المكان والسياق كله، لا يمكن أن تجعل أحداً منا، لا سيما من غير أهل الاختصاص كما صاحب هذه الكلمات، أن يغفل عن الأغراض السياسية بالغة الوضوح في الواقعة. وفي الوسع أن يحتجّ المرء، في الجانب الديني المحض، برفض نحو عشرين تجمعاً لعلماء المسلمين في غير بلد هذا الحفل، وما انتهى إليه من منكر الكلام الذي يُضاعف أسباب الشقاق بين المسلمين. وفي الشأن السياسي للمسألة، مبعث الاستهجان والاستغراب الوفيريْن يتعلق، في مرتبةٍ أولى، بنجاح رئيس الشيشان الذي منحته موسكو وسام "بطل روسيا"، لإسهامه في قتال بني وطنه المسلمين، في استخدام الأزهر في مراد بوتين من هذه التظاهرة المريبة، والتي تذكّر بأنّ وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، كاد يتعهد، قبل أزيد من عامين، بعدم إقامة "نظام سني" في سورية. وبدا حينها كلامه مثيراً للاستفظاع، ليس من باب استنكار دسّ روسيا أنفها في أمرٍ كهذا. ولكن، من باب انشغال الدولة الشيوعية سابقاً بتوضيب إسلامٍ، في سورية وغيرها، على مقاسٍ تُؤثره. ومن إحالاتٍ أخرى، يذكّر بها مؤتمر قديروف، أن الشيشان استقبلت "مجاهدين" من السعودية وغيرها، ذوي مرجعياتٍ سلفيةٍ ووهابيةٍ، في أثناء القتال ضد السلطة الروسية في التسعينيات، ولا يُنسى ما أعملته الوحشية الروسية في غضونه. ما قد يسوق إلى الظن بأن نزوعاً انتقاميا لدى بوتين، وتابعه قديروف، من مرجعيات أولئك، بنزع سنيّتها عنها. وهذه حيلةٌ كاريكاتيرية في ظاهرها وباطنها الاستخباريين.
ليست القصّة في تبرّع رمضان قديروف، صاحب الصداقات الذائعة مع نجومٍ في "هوليوود"، في إقامة هذه التظاهرة الخائبة، وإنما في الاستغفال الذي عمدت إليه مشيخة الأزهر في بيانٍ توضيحيٍّ لمشاركتها هناك، قال إن كلمة أحمد الطيب لم تُخرِج أهل الحديث من أهل السنة. وكأن الفضيحة في هذا المطرح، وليست في مشاركة الأزهر نفسه في هذا العبث، مصحوباً بوفدٍ مصري رفيع. وإذا كان انشغالٌ إعلامي قد تم بشأن تأثير هذا كله على العلاقات المصرية السعودية، بالنظر إلى أن مؤتمر بوتين قديروف استهدف المملكة في مرتكز أساسيٍّ فيها، فإن الأدعى إلى الانتباه هو الانحطاط الذي بلغته السياسة الرسمية في مصر، حين تخوضُ في ألعابٍ تافهة، عندما يصبح عداء الإخوان المسلمين لديها أم المعارك. وفي أثنائها، لا حرج من أن يحدّد بوتين وقديروف التعريف الذي يشاءان للمسلم السنّي، بل وأن يُخرجا منه من لا يستطيبانهم، "الإخوان" والوهابيون مثلا.