ترامب الثاني أو عواصف من قلقنا

07 نوفمبر 2024

ترامب في تجمّع لأنصاره في مدينة ريدينغ في ولاية بنسلفانيا (4/11/2024 Getty)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

نُغادر حكاية السيّئ والأكثر سوءاً، بحسم الأخير فوزَه رئاسة الولايات المتحدة، فنعبُر إلى ترقّب ما سيصنعه هذا، دونالد ترامب الثاني، وقد صار في الثامنة والسبعين عاماً، فينا، نحن العرب، وفي العالم، وفي أميركا. لنا كلّنا خبرةٌ فيه، فقد حدَث أن أقام في البيت الأبيض أربع سنوات، قبل أن يخلفه جو بايدن. نكون على حقٍّ لو قُلنا إن كابوساً ثقيلاً تمثّله عودته هذه إلى رئاسة أقوى دولة، فالذي نعرفُه عنه غير مُطمئِن، مقلق. وهذا لا يشير إلى أن الخاسرة كامالا هاريس كانت ستتبنّى العدالة والإنصاف في العالم، فترى عذابات الغزّيين واللبنانيين جرّاء التوحّش الإسرائيلي، وتلتفتُ إلى دورٍ قوي لبلادها من أجل وقف عذابات السوريين والسودانيين واليمنيين. وإنما يشير هذا إلى منسوبٍ أعلى للعجرفة والصهينة والعنصرية والاستقواء لدى ترامب وفريق إدارته المرتقَب. وعندما يكون نتنياهو أول مهنّئي المرشّح الفائز، مبتهجاً بـ"أعظم عودة في التاريخ" فهذا شاهدٌ على تحالفٍ سيتجدّد بين اثنيْهما، وهما صديقان، في المضيِّ إلى أقصى خيارات التطرّف في تمويت قضية فلسطين، وتحويلها شأناً استثمارياً، على ما حاولا في الخطّة التي أعلنها ترامب "صفقةً" من أجل السلام في المنطقة. وفي البال أن الرئيس المتجدّد كان قد أعلن عن عدم رضاه عن صغر مساحة إسرائيل. وقد جاءت طريفةً "ثقةُ" الرئيس محمود عبّاس بأن الولايات المتحدّة ستدعم، تحت قيادة ترامب، تطلّعات الشعب الفلسطيني، على ما أفضى في برقية تهنئةٍ طيّرها إلى صاحبها.

سينزعج رئيس أوكرانيا، زيلينسكي، فليس خافياً أن غريمَه رئيس روسيا فلاديمير بوتين كان يمنّي نفسَه بخسارة هاريس، ويُعلَن أمس في موسكو أن الكرملين ينتظر أن يرى أفعالاً ملموسةً من ترامب قبل أن تكون له أحكامه عليه. ملوكٌ ورؤساء عرب امتعضوا من عودة الشخص البرتقالي إلى الصدارة في الكوكب، غير أن ملوكاً وأمراء ورؤساء عرباً آخرين، أكثر عدداً ربما، اغتبطوا بهذه العودة، وهو الذي راقَ لهم منه صناعة إدارته السابقة اتفاقيات التطبيع (والتحالف) الإبراهيمية مع إسرائيل، وينتظرون منه إسناداً أوضح لخياراتهم ضد كل إسلامٍ سياسي، ويستطيبون جهله المريع (هل سيعود صهرُه جاريد كوشنير إلى إدارته الثانية مستشاراً؟) بقضايا المنطقة وخصوصيّاتها.

لسنا، نحن العرب، وحدَنا نقيم في الأرض، ويعنيهم ما سيُقدِم عليه ترامب الثاني وفريقُه ونائبه جيمس دي فانس، شديد المعارضة لدعم أوكرانيا وتسليحها أميركياً، فالأوروبيون، في المُجمل، لم تكتم أوساط قادتهم وحكوماتهم تطيَّرهم من احتمال نجاح ترامب، إبّان كان مرشّحاً، فملفّاتٌ غير قليلة، ضريبيّة وتجارية وسياسية وأوكرانية وصينية وأطلسية (حلف الناتو) وغيرها، تُباعد بين الاتحاد الأوروبي (ودوله منفردةً أو كثير منها) والرئيس الذي يفهم السياسة صفقات بيعٍ وشراء وخصوماتٍ وأرباحاً وأكلافاً، من دون اعتبارٍ لتطلّع الشعوب والأمم والدول إلى علاقاتٍ متوازنةٍ مع غيرها، وإلى سلامٍ وأمن وسيادة وقانون. هل نسأل عمّا يراه الأفارقة والشرق آسيويون في ترامب؟ هل نسأل عن زوابع قضايا بلا عددٍ، تخصّ هذا الشخص المُتعب، الذي سيرهقنا كثيراً في محاولاتنا فهم خياراته وحساباته، وعموم سياساته في غير شأن.

إذ صار يُقال إن ترامب الثاني سيكون مختلفاً، بعض الشيء، عن ترامب الأول، فلسنا على ثقةٍ بهذا، وإن كل شيءٍ وارد. ولمّا جاء فوزه أمس كاسحاً، أو كاسحاً بعض الشيء، في التصويت الشعبي وفي التصويت للمجمع الانتخابي، فذلك قد يُعطي صاحبَنا (هل هو صاحبُنا؟) فائضاً من الثقة بنفسه. سيجد نفسَه مفوّضاً في عمله من أجل "أميركا عظيمة"، في حماية الأميركيين من "المهاجرين" المجرمين، على ما سارع أمس إلى إخبارهم، في إطلالته الاحتفائية بالنصر الثقيل الذي أحرزَه، وقال إنه سيُغلق الحدود. ولنا أن نتوقّع تعسّفاً وتشدّداً في الذي ينوي أن يفعله في هذا الخصوص.

صارت وراءنا قصة معاقبة الأميركيين العرب والمسلمين كامالا هاريس. صار قدّامنا رجل عواصف التهوّر والتطرّف والشعبويات والعداء للصحافة وحرّياتها والولع بالمستبدّين والديكتاتوريين. صار وراءَنا السؤال عن سبب عدم نجاح السيدة التي قالت كلاماً طيّبا في غير قضية، ورأيناها، عن حقّ، أقلّ سوءاً من منافسها. صار قدّامنا دونالد ترامب. ويكفي هذا الاسم لتجتاحنا زوابع من قلقٍ وتحسُّب. ... يا ألطاف الله.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.