"فاغنر" والنووي في بيلاروسيا

01 يوليو 2023
+ الخط -

تمدّدت مجموعة "فاغنر"، في 24 من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، من الجنوب الروسي في روستوف إلى فورونيج (نحو 500 كيلومتر من العاصمة موسكو). لم ينتبه كثيرون في خضمّ الضجيج الروسي إلى وصول المجموعة إلى منشأة فورونيج النووية. لم يكن الأمر تفصيلاً. مجموعة مرتزقة تمرّدوا على الكرملين والجيش، وتمكّنوا من الوصول إلى موقع نووي في روسيا، المتفاخرة بامتلاكها أكبر عدد من الرؤوس النووية في العالم. لم يركّز الجميع على هذا الفعل، بل تمحورت الفرضيات حول احتمالات سقوط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وانزلاق روسيا إلى مستنقع حربٍ أهلية، وإلى إمكانية استغلال أوكرانيا الوضع المستجدّ بأفضل طريقة ممكنة، وإلى ابتكار نظرياتٍ مؤامراتية من نوع "التمرّد مسرحية ناجمة عن تفاهم بوتين مع زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين"، وغيرها من الفرضيات.

غير أن مجتمع الاستخبارات، غرباً وشرقاً، تنبّه إلى فكرة أن "روسيا الصلبة في الداخل" وأقوى الدول النووية، بدت هشّة وسهلة الاختراق بصورة أكثر مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي، التي تخلّلها انهيار الاتحاد السوفييتي ونشوء الطبقة الأوليغارشية، وصولاً إلى محاولة بيع العصابات الروسية إحدى الغوّاصات لعصابةٍ تعمل في مجال تهريب المخدّرات. تذكّر بعض منهم كلاماً سابقاً للرئيس السابق دميتري ميدفيديف حين حذّر من احتمال تفكّك روسيا إلى دويلات، لكل منها سلاح نووي. لكن ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي حالياً، لم يتخيّل لحظة وصول مجموعة مسلحة، ليست من الجيش حتى، بهذه السلاسة إلى المنشآت النووية، وضمن "روسيا الموحّدة".

للحظة، بدا وكأن بوتين "ضمانة" لعدم حصول الفوضى في الداخل الروسي. قد تكون الغرائز مع تراكمات نحو ثلاثة عقود من "الاستقرار" تحت سلطة نظام مركزي في موسكو والعلاقات السابقة بين الغرب والكرملين، قد أوحت بهذه النظرية. لكن المسألة النووية لم تدُم سوى ساعات قليلة، ففي ليل 24 ـ 25 يونيو/ حزيران الماضي، تم الاتفاق على أن تستقبل بيلاروسيا عناصر "فاغنر" وقائدهم، مع منحهم قاعدة يتدرّبون ويدرّبون الجيش البيلاروسي فيها. إلا أن تزامن وصول "فاغنر" إلى معاقل ألكسندر لوكاشينكو، مع وصول الأسلحة النووية التكتيكية الروسية إلى بيلاروسيا، أفسح المجال أمام قضيةٍ أكثر خطورة مما حصل في الـ36 ساعة من التمرّد المسلح.

هناك في بيلاروسيا دولة مترامية الأطراف مع جيشٍ صغير نسبياً غير قادر فعلياً على إدارة الأسلحة النووية من دون مشاركة مستشارين من موسكو، ما يتيح الفرصة لبريغوجين، المعروف بأنه شخصٌ من الصعب التنبؤ بتصرّفاته، للعمل على السيطرة على هذه الأسلحة. وفي هذه النظرية رعبٌ حقيقي، يتجاوز ما حصل في روسيا، وقبلها في سوليدار وباخموت الأوكرانيتين، وفي دول أفريقية عديدة. وجود "فاغنر"، ولو بعددٍ لا يتجاوز ثمانية آلاف عنصر في بيلاروسيا، لا يعني تجاهل خطرهم على الداخل البيلاروسي، قبل محيطه. وهو ما يمكن أن يُنشئ وضعاً لن يتمكّن لوكاشينكو من السيطرة عليه، ما لم يسمح للروس بدخول أراضيه للانتهاء من "فاغنر" نهائياً. كان لوكاشينكو يخشى تورّطه في الحرب الأوكرانية، عالماً بعجز جيشه عن خوض أي معركة، فكيف الآن مع وصول "فاغنر" والأسلحة النووية إلى أرضه؟

لا أحد يمكن أن يتصوّر بما كان يفكّر به لوكاشينكو، لكن يمكن التأكّد من أن بوتين لم يقل إنه لن يغتال بريغوجين، بل فقط قال إنه يضمن وصوله إلى بيلاروسيا. وهناك لا ضمانات ولا تعهدات، بل حجّة مولودة من رحم وجود الأسلحة النووية، تسمح بالتصرّف بحرّية أكثر ضد قائد "فاغنر" وعناصره. أساساً، عملية تحجيم المجموعة والسيطرة على أعمالها مؤشّر إلى أن نهايتها لن ترحم بريغوجين. ألا يعلم زعيم "فاغنر" ذلك؟ بالطبع، فهو مثل بوتين يدرك أن عليك، في أي صراع محتم، توجيه الضربة الأولى. وهناك في مينسك حساباتٌ كثيرة ستُصفّى، باسم النووي المنتشر في بيلاروسيا.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".