عن "وقت قصير للهلع"
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
إحدى طرق كتابة القصة القصيرة الانثيال الحرّ والتلقائي للحدث، كما نجد ذلك مع جيل الروّاد من الكتّاب العرب، حيث يسرُد الكاتب قصّته من البداية حتى النهاية عبر حبكةٍ تشويقية. ولكن ثمّة طريقة أخرى لكتابة القصة الحديثة، وهي الوعي بالتقنية، عن طريق التقطيع واللعب بالزمن. وهنا تتحوّل كتابة القصة إلى ما يشبه لعبةً يشارك بها الكتاب قارئه في فكّ شفرات نصه الذي لا يقدّمه بطريقة سهلة متداولة، إنما بابتكار جديد وتفكير شكلي، ما يدلّل على حرفية الكاتب وتمرّسه الطويل في عالم الكتابة القصصية.
نجد هذا الحضور للوعي بتقنيّات القصة القصيرة في المجموعة القصصية "وقت قصير للهلع" للعُماني يحيى سلام المنذري (دار عرب، لندن، 2022)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية (تنظّمها الجامعة الأميركية في الكويت)، حيثُ لا يقدّم القاص مادته بالطريقة السهلة المباشرة، إنما يلجأ إلى ابتكار تقنية خاصة. وينطلق يحيى سلام المنذري من خبرة في كتابة القصة القصيرة بدأت من التسعينيات، وكانت البداية مع مجموعته الأولى "نافذتان لذلك البحر"، والتي اختيرت إحدى قصصها "حبّات البرتقال المنتقاة بدقة" ضمن مقرّرات مناهج اللغة العربية لطلبة المدارس في عُمان.
يقدّم المنذري قصصه الطويلة الثلاث في مجموعته الجديدة بطريقةٍ لا يراعى فيها التسلسل النمطي لنمو الحدث. كما نجد العنوان "وقت قصير للهلع" يحمل دلالة جديدة، فهو أشبه بدعوة إلى قضاء وقت مستقطع مع القصص، قبل عودة القارئ إلى حياته الطبيعية. وكأننا إزاء فيلم مؤقّت يدعونا الكاتب إلى مشاهدته في وقت معيّن ومحدّد. حيث يسرُد في اثنتين من قصص هذه المجموعة حياة عمّال آسيويين. مثلا قصة "غليان الشاي"، يقدّمها الكاتب في شكل ثلاثي المقاطع "هدية أختي حسينة، الكتاب الأسمنتي، صياد العاملات" عن عامل آسيوي يتحوّل إلى كاتبٍ محتمل، حين يسجّل يومياته في دفتر. وقصة أخرى تسرد الظروف المعقدة لحياة "النحلات"، وهي صفة أضفاها الكاتب على عاملات المنازل وطريقة حياتهن بين أردية الهلع التي يتلفعنها في بلدانٍ غريبةٍ عنهن، ضريبة البحث عن ظروف تحسين المعيشة، حيث تركن بعيدا عن أوطانهن وأسرهن، في انتظار عودةٍ لن تتحقّق من دون عذاب وأعوام ثقيلة تمرّ على أجسادهن.
نجد أيضاً تقنية التقطيع في القصة الثالثة والأخيرة للمجموعة "الأصبع"، المعتمدة على تلمّس خيوط المفارقة الواقعية، من خلال مريضٍ على وشك أن تجرى له عملية بتْر لأحد أصابع رجله (تحديدًا إبهام الأصبع اليمنى) في مستشفى عمومي. يبدو الحدث حتى هنا طبيعياً، ويمكن أن نجد مثله كل يوم في أروقة المستشفيات، ولكن الجديد الذي برع القاصّ في بثه على أجواء قصته هو هذا الشك النفسي الرهيب، ما جعل من القصة تتحوّل من فكرةٍ يمكن سردها في سطريْن إلى فيض مشاعر ملأ أربع صفحات. وهو في كل تساؤلٍ وصفحةٍ يطرُق بابا، ويفتح جدولاً جديداً في مجريات هذا الشك، شك ينطلق من أساس واقعي؛ يتمثل في الثقة المهزوزة بين المريض والطبيب، وهي حالةٌ لم تعبّر عنها القصة بأساليب واضحة مُباشرة، إنما عن طريق الفن وتقنيات القصّة القصيرة، بكل ما تحمله من إمكانات فنية، وهي الإمكانات التي تضمن لها البقاء والتمدّد عبر الزمن، كما هو الحال مع قصص الكاتب الروسي تشيخوف، التي ما زلنا نقرأها بفاعليتها الأولى نفسها، وكأنما كُتبت للعصر الذي نعيش. والمنذري يكتب قصصه بتقتير شديد وحرص، ولذلك غالبا ما تخرُج قصصه، التي تعاني من ولادة عسيرة ومراجعات وشك وإعادة كتابة مستمرّة، في هيئة مكتملة ومصقولة.
تفاصيل الحياة العصرية في عُمان، وخفايا الفساد في الوظيفة العمومية، وهموم العمالة الوافدة من البلدان الآسيوية، طالما شكّلت هاجساً قصصياً في كتابات يحيى سلام المنذري، سنجد ذلك متفرّقا عبر العديد من القصص في مجاميعه المتباعدة، التي من أهمها "بيت وحيد في الصحراء"، "الطيور الزجاجية"، "رماد اللوحة". وقد سبق أن جمعها في كتاب واحد تحت عنوان جديد "الحديقة بيضاء بالياسمين"، صدرت عن الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء في مسقط .
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية