عن نجاح ملتقى إعلامي في عمّان
يُكمل مركز حماية وحرية الصحفيين، ومقرّه في عمّان، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يوبيله الفضّي (25 عاما)، وهو مؤسّسة مجتمع مدنيٍّ تنشط في الدفاع عن الحريّات الإعلامية، وفي دعم تطوير الإعلام وتأهيل العاملين في قطاعاته العديدة. وخلال سنواته هذه، نظّم عشرات الأوراش في تدريب كفاءاتٍ في العمل الصحفي وتكنولوجيات الاتصال والتواصل، وعقد عشرات الملتقيات والمؤتمرات والمنتديات التي استضافت خبراء ومختصّين وعاملين في مختلف حقول الاتصال والإعلام، وبذلك أصبح المركز العتيد منبر حوارٍ وتداولٍ ونقاشٍ بشأن كل جديدٍ يخصّ مهنة الصحافة والتحدّيات التي تواجهها، وكذا البيئات التشريعية والقانونية التي يزاوِلُ تحت سقوفِها الإعلاميون العرب (وليس في الأردن وحده) أداءهم. وفي الوسع القول إن المركز، بقيادة مؤسّسه ومديره، نضال منصور، استطاع أن يؤكّد لنفسه حضورا فاعلا وحيويا ومُنتجا، في الفضاء المحلي الأردني، وفي الوطن العربي، بنشاطه، ومثابرته في إصداره تقارير دورية، توثّق انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ حكوميةً وغير حكومية، في عقوبات الحبس وغيرها التي استُهدف بها صحفيون أردنيون وعرب، وفي إشهاره أيضا بياناتٍ أبرز فيها مواقفه المؤكّدة في مساندة الصحفيين وصون حرياتهم ورفع القيود عن عملهم. ولدى المركز عدّة شراكات إقليمية ودولية، ورُخّص في جنيف، ومنحته الأمم المتحدة عضويةً استشاريةً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تقديرا لدوره ومكانته. وأيا تكن مؤاخذاتٌ أو ملاحظاتٌ لدى زملاء ناقدين ومنتقدين تجاهه في هذه المسألة أو تلك، إلا أنها لا تخصم أبدا من المكانة الريادية والراهنة، الفاعلة والمؤثّرة والإيجابية، التي أحرَزها المركز عربيا ودوليا، بفعل دأبه المشهود في مناصرة حرّيات التعبير وفي التشديد على حقوق الصحفيين في بيئة عملٍ ناجعة.
مواكبةً منه متابعة مستجدّات شؤون الإعلام والتغيّرات المتسارعة في أدواته وتمثيلاته وتأثيراته، نظّم مركز حماية وحرية الصحفيين، الأسبوع الماضي في عمّان، ملتقى "مستقبل الإعلام والاتصال"، انتظمت في أيامه الثلاثة 22 جلسة، شارك فيها أزيد من 60 متحدّثا، تنوّعت اختصاصاتُهم ومشاغلهم ومسؤولياتهم وخبراتهم، وفدوا من عدة دول عربية وأحنبية، وبعضُهم في مواقع متقدّمة في هيئاتٍ ومؤسّساتٍ ومراكز وشبكاتٍ تعمل في الإعلام وحرّياته وشؤون السوشيال ميديا وفي التأهيل والتدريب، ومنهم من تولّوا مسؤولياتٍ حكومية ووزارية وأخرى نقابية، فضلا عن حقوقيين وخبراء، وكذلك من أهل الأكاديميا والإبداعات الفنية والناشطين في منصّات التواصل الاجتماعي. وبذلك كله وغيره، مثّل الملتقى الذي سانده شركاءُ استراتيجيون، بينهم قنواتٌ تلفزيونيةٌ وبنوكٌ ومؤسّساتٌ مدنية، عربية وأردنية، فرصةً مهمة لتتداول نخبةٍ عريضةٍ في التحدّيات المهنية والقانونية التي يفرضها استحواذ منصّات التواصل الاجتماعي على الحيز الأوسع من المشهد الإعلامي العام، سيما وأن المتحدّثين والمشاركين والضيوف، ممن ساهموا في النقاش والحوار، من حساسياتٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ متنوّعة، ومن أجيال مخضرمةٍ وجديدة، وقد كان حضور الشابات والشبان وفاعليّتهم في الملتقى أكثر من رائع. ويمكن القول إن الأسئلة والاجتهادات والتصوّرات التي طرحت، في العموم، في هذا الجمع الإعلامي (والثقافي من قبل ومن بعد) لم تكتف بتأكيد المؤكّد، عن نفوذ منصّات التواصل الاجتماعي، بل ألحّت على وجوب تجديد أهل مهنة الإعلام أدواتِهم وطرائق عملهم وتواصِلهم مع الجمهور، بكيفياتٍ إبداعية، تأخذُ، أولا وأخيرا، بشروط المصداقية والتحقّق من المعلومة والحذر من الأخبار المتعجّلة والزائفة والمتسرّعة. وكان كثير الأهمية تشديد العين، الرئيس التنفيذي لمعهد الإعلام الأردني، مصطفى حمارنة، في آخر جلسات الملتقى، على "المهننة"، استحقاقا لا تساهلَ بشأنه في مزاولة الإعلام والتواصل. وأظنّ أن هذا كفيلٌ بحلّ إشكالاتٍ عديدةٍ جاء عليها متحدّثون كثيرون في قاعة المؤتمرات في فندق الرويال في عمّان.
سقط مشاركون في مداخلاتهم في الحديث عن مُطلقاتٍ وعموميات، وفي الاسترسال في بديهياتٍ ذائعة، وغالى بعضُهم في طرح فرضياتٍ تحتاج إلى اختبارٍ كثير، غير أن هذا كله وغيره لا ينفي نجاحا مؤكّدا لأعمال ملتقى "مستقبل الإعلام والاتصال"، في إثارته أسئلة ملحّة بشأن أفضل الآليات لإدماج منصّات التواصل الاجتماعي في العمل الإعلامي، وفي طرح مقارباتٍ متنوّعة المداخل، وصدورا عن تجارب غير قليلة، بشأن ما قد يفيد منه العمل الإعلامي (والتواصلي) من أداء المؤثرين ونشاطهم، ومن منتوج صنّاع المحتوى، إلى غير ذلك من قضايا جاء عليها متحدّثون بذلوا جهدا طيّبا في بناء ما اجتهدوا فيه ... شكرا مركز حماية وحرية الصحفيين.